(في عالم قاسي حيث البشر مجرد أعداد في دفاتر منسية، يستيقظ من بين صحف الرجال، يخرج ملاك قد غير كل شيء، في الماضي والحاصر، وربما المستقبل). الجبال الحمراء- بعنوان (الأحلام والرحلة) وهو (الجزء الأول) -من-الكتاب الأول من سلسلة الحكايات القديمة المفقودة. https://ahmed11gharib.mystrikingly.com/
في عمق صمت ضباب الظلال بادره الصوت الشبحي كالأنين المبحوح،(راداج كيروس).
يقف في الأعلى، وموجودات العالم تغرق في ضباب من ظلال، وراح الصوت يكرر من بين الوهن والألم والرجس: “الموتى هناك بعظمة (راداج كيروس) لا تنظر للأعلى بل للأسفل” .
المكان في الأعلى ضباب دخاني أم مقلتيه، ونصفه الأسفل يغوص في حيذ من الضباب والعدم، همس الصوت لها مجددا ومجددا، أن الصوت ينبع من داخل جمجمته حيث يردد: (راداج كيروس) لا تنظر للأعلى فالحياة في الأسفل.
قال بدون صوت:” موتي في الأسفل“.
(لكي تصل للحياة يجب أن تتجرع الموت)
وكرر الصوت مع الآلام، مرة، ومرة، ومرة،
العالم يتبادل يختلف، والضباب يتلاشى، وقدميها الحافيتان تلمس البلاط الصخري المفرغ بالرسومات المحفورة والبارزة، كان في ممر طويل وتبادل الصوت لأصوات، رجال يصرخون، همس: “أنهم يموتون، يغرقون في الظلال”، رجال يعرفهم، ومن بينهم كان هو، يسقط، يغرق معهم في بحر من دماء سوداء مظلمة، هكذا رمق(موستس) اللوحة العتيقة في نهاية الممر، لوحة من لوحات متجاورة. لا عدد لها. اللوحة حيه، فكر” اللوحة تنبض بالحياة “، تتحرك ببطء وتتنفس، والصرخات تحيا-وتنبض بحياة من الرجس، والوجوه تطلب الرحمة.
وهمس الصوت: “راداج كيروس”.
ومن أمام اللوحات عبر ظل بسخرية يتراقص وهو يتمتم “راداج كـــــــيروس”،كانت الكلمات ترجل من أطرافه، وتتساقط كماء من قربة مثقوبة، أراد أن يتكلم ولكن صوته غاب في الم لا يوصف، وبداء يزوب كشمعة انتهت وسط الضباب الذي أطبق عليه مرئه، ورمق أشعة شمس الصباح الذهبية رغم عنه، حينما فتح أحد ما جفنيه، ثم أغلقت جفونه مرغمة، فعادت الشمس تتوارى بخجل خلف طبقات كثيفة من الجلد والرماد والألم. “إنه حلم وردي من حب وعشق وذهب، كشعر امرأة دافئة يتدلى بين ساقيها، كم أود أن أغوص في حليب ما بين جلدها الدافئ الناعم، فأنا أشعر بضمر حقنا” .
وغاص في جلد وبرد، ودماء .
كان عقل(موستس) الآن في متاهة من الآلام، يدلف من الم الي الم، وقد ذهب في النهاية لعالم آخر من الخيال والأوهام التي لا يعرفه، عالم يميل أكثر لعالم الأحلام، حيث ترقص الأشجار، ويتصدر الأغاني من الجبال، وحينما يسمع كل الأصوات معنا، تدق وتدق علي الحان واحدة، أنها الصرخات المدوية، الجبال تصرخ، والغاب كذلك، أنه يسمع هذا في اللا شيء… عويله الوحوش والذئب يأتي من فوق المرتفعات، وشعر بمزيج من الألم المختلط بالدم، والبرد الذي يحيط به من كل الاتجاهات، كأن العالم الحقيقي الدافئ الذي يعرفه قد حلق بعيداً بلا أجنحة، والضباب الكثيف علي أجنحة الغابة قد بدأ يمكث الآن فوق عينيه، ليملي كل الوجود بطبقات من الخيالات، الدماء، والحرير، وعطر امرأة قوي فواح حريري يجز حلقها، و مسمعها لا يسمع غير الصرخات الغريبة التي لا تتوقف.”راداج كيروس”.
همس لنفسه،”راداج كيروس“، وفكر ماذا تعني. ولكن عقله المشوش أخذا يتأرجح بين الظلمة والنور، الآن يتبادل الأسود ثم للأبيض، ثم… حقيقة أم خيال. وبداء يشعر بأن جسده يغوص في حوض حليب دافئ، فهمس: “لا.. لا.. لا أريد الاستيقاظ“.
وشعر بأنامل فوق جفونه، وراحت الأنامل تفتح جفون(موستس) المستسلمة، وتمتم مجدداً، “لا.. لا.. لا أريد الاستيقاظ…أتركني.. الألم.. أني… أني في حليب. اني.. اني ..مـــــــاء”، لبرهة شعر بنور الشمس يحرق عينيه، لفنية يغلقهما بأراده، ويفتحهما مرغمنا، ولكنه لا يشعر- لا يعرف – لا يدرك – من – أين – وإلى أين يذهب… رمال، هناك الكثير من الرمال، من ماء، “مــــاء…” أنه ضمر، حلقه جاف كخشبة طعنتها الشمس حتي كادت تحترق، وفمه حجر صخري في صحراء بلا نهاية، “مـــــــاء…أريد… مــــــاء” رمق ماء البحر، أمواج من الملح ترتفع، فقال للبحر بيأس وهو يدفع بأصابعه الدامية مطالبناً، “مـــــــاء، لتعطيني … ماء “،فأجابه البحر بالدماء، ماء، دماء، ومرأة سمينة، والأخرى قوية، وذات شعر أسود غزير يتعرج كالأفاعي بلا نهاية، والدم الأحمر يقطر من أناملها، وعطر قوي كالحرير، وعاد عقله من باب، وذهب إلى باب ،وطاف بلا جسد في أماكن عجيبة، “ أحلام، ألم، أنا أطير، لا لا، كل هذا من الأحلام، مـــــاء… مــــــــاء” ، فكر(موستس) وهو يعبر درب عجيب من الا شيء، وسأل نفسه عن ما يحدث: وهل ما ذالت من الأحياء، وتابع السؤال بعدد من الأسئلة، أهي السماء تتحرك من تحته، أو أنها الأرض، أتلك أقدام تتحرك من الأعلى، أو من الأسفل، كل شيء منعكس، كل شيء، علي عكس الطبيعي.
“راداج كيروس”.
ترددت العبارة كصدي صوت يتجدد من اللا شيء، ويطوف عقله بين هياكل أبواب مفتوحة بلا هدف، باب من دماء، باب من رعب، باب من موت، باب من آلم، باب من زجاج عاكس، وباب آخر يتردد فيها أغنية لطفل يرقد في تابوت صخري منقوش من نار وظلال…
هناك الكثير من الأقدام، والقليل من الإدراك، تسأل في أعماق أعماقه بأشياء مثل، أيتحرك جسده من طلقاً نفسه، أو أنه يجري بلا توقف، من وأين… وإلى أين…، وترددت في خيالات(موستس) صور خيوط الدماء مجدداً، صور المرأة الغريبة ذات الشعر الأسود الغزير، وتلك المخالب الطويل الحادة التي لا تمت للبشر بصلة، وكيف كانت تلك المخالب تمزق اللحم، والجلد، وتقطع الأطراف بالعظام، “لا… لا… هذا ليس حقيقياً“، ثم كان يقف هناك، حيث تأتي الصرخات العالية، عالية ممزوجة بالغناء الساحر، والعطر القوي الناعم كالحرير، تغني المرأة بنغم على ألحان اللحم، والدم، و الألم، والجثث، والموت، والرجس، غناءها عجيب، غناءها قاتل، غناءها لا ينتهي إلا بالموت، وكانت تبتسم.
وترددت إلى مسامع(موستس) أغنية قديمة، من سيدة بدينة تعود لذكري أقدم من النسيان.
(في بيتك المغمور بلون الورد تسمع أصوات الخوف من الجدران، وجه الألم هنا، وجه الرجس هنا، وفي وجوه المختلفة تري الموت، هنا أنت لم تعد حي، ولكن لا تقلق فلن تموت، فأنت هنا عالق بين المرجان و اليانج، فهنا أنت بين جدراني، وعلى مائدتي ستذوق طعامي، حتى أنك لن تفرق بين اللحم و العفن، ومن جوفك ستخرج أنياب الغدر)
ويأتي صوت بطيئة رفيع من بعيداً، يقول شيء لم يدركه، شيء ما يقول له ولكن(موستس) لا يفهم ما يحدث، وبغتة يجد رأسه يهتز بقوة، والماء الرطب البارد يهبط على جلده المنكمش، وينقشع الضباب والجنون من على بصيرة القائد(موستس) شيئا فشيء، فيسمع أحد الحراس ضبابي الوجه، والذي لم يتعرف عليه في البداية، يقول:
– “سيدي هل أنت بخير؟”.
وتردد صدي الصوت في ممر طويل بلا نهاية:
– “ســــــــــــــــــــــــــــــــــــيــــــــــــــــــــــــــــدي…………راداج كـــــــــــــــــيــــــــــروس”.
وعاد الصوت يكرر:
– هل تسمعني سيدي؟
نظر له(موستس) بلا فهم ولا أدراك:
وقال صوت دخل للتو:
– أيها السادة أريد واحد هنا، وليغادر الباقين.
ولكن الجنود لم يغادروا، فنظر الدخيل ألي ذو الوجه العظمي، فعاد الصوت الأول يقول:
– أيها الأخوة سمعتم الدوق، سأبقى أنا، و(ريجوك) و(جليان) سيحرسون الباب، والباقون سيذهبون للمقر .
ثم قال الدوق:
– منذ متى وقائدك هكذا.
– لا نعرف بالتحديد، ولكن(جليان)و (أفران) هم من عثروا عليهم بعد عوقة الصباح.
قال الدوق:
– أيمكنك سماعي ؟
لقد سمع(موستس) الصوت بطيئة طويل بعيداً مقتطعنا، كأنها صدى يتردد من فوق قمة جبل عالي، ولكنه لم يستطيع الرد، لأنه لم يستطع الإدراك بأي شيء، فصوته قد غاب في أتون من الألآم الغريبة، و التي لا يعرف من أين تأتي بالتحديد…
قال الدوق المتدرب على الطب(مايدس)وهو يضع في فم القائد(موستس) قطعة صغيرة مصنوعة من الخشبية بين أسنانه المصبوغة بالدماء:
– أضغط علي هذه يا حضرة القائد، وليكن مقدسنا معك.
كان(موستس) يرقد بـجسده المغموس بالدماء على فراش قديم مصنوع من الفرو المهتراء، والتي تعلق به رائحة خراء الحيوانات القذرة، إلا أن تلك الرائحة الشنيع، والتي دلفت لأعماق القائد(موستس) لم تكن تقارن بالألم الرهيب الذي يضرب مضجعه من الرأس إلى القدم، الصداع الكثير من الصداء كأن عظام جمجمته تتهشم من الداخل، وكساء العرق الغزير جسده، وصلصلت أسنانه بقوة، و أخذت ترتعد وتضرب بعضها في عنف، حينما لمس الدوق ساقه المصابة، وأخذت أنفاسه تخرج ملتهبة كالحمم البركانية، وشعر(موستس) باللهب يسري في عروقه، عندما بدأ الدوق في سكب المادة المطهرة الحارقة على لحم ساقه المصابة، وبدأ الموت يطرق بابه، وشاهد بعين الخيال المنجل المستدير يستعد لحصد روحه، حينما أخذ الدوق بلم الجلد على اللحم، وبدأت دقات النهاية تدق مع غرز كل أبره، كان الدوق يخيط اللحم باللحم بالجلد بخيوط من الحرير، وكلما سحب الدوق الخيط من اللحم شعر(موستس) بروحه تنسل من جسده، ففكر: والألم يأكل كل خلايا جسده من الداخل. “اللعنة على جسدي الضعيف”.
شعر بصدره ينقبض من فرط الألم الرهيب، ورحه تنسل من جسده، وحلق عقله في عالم من الخيالات مجددا، عالم لا يعرفه، المرأة واللحم والدماء السائلة على الأرض، غادر كل شيء من الموجودات المحيط به، حتى أنه لم يعد يشعر بألم ساقه، هناك كان وحيدا حيث الرمال الكثيفة، وأمواج البحر التي ترتفع للأعلى لتعكس كل شيء كمراء، وعلى الرمال رمق (موستس) تجويف متتالي من أثار الأقدام المطبوعة بالدماء الحمراء، وكانت الأثار لفتاة صغيرة تمشي ببطء كأنها سلحفاة بدينة بطيئة، لا يدرك أهي تقترب منه، أو تبتعد عنه، رمقته الفتاة بعينيها العجيبة التي تتبدل الألوان الآن لونها رملي، الآن ملحي، والان كزبد البحر، ثم تبتسم له الفتاة فتظهر أسنانها المكسورة، وبعد برهة جلست الفتاة على الرمال بالقرب من أمواج البحر التي أخذت تعلو وتهبط، وفي البحر تراقصت الحيتان وحلقت بين الأمواج بأجنحة فراشات قصيرة، وأبراج المياه تندفع من نوافرهم، لتشكل دوائر من الماء سرعان ما تنسحق على سطح الأمواج الغاضبة.
وعلى الرمال كانت الفتاة الصغيرة قد بنت قلعة لها أبراج شامخة مألوفة للقائد(موستس) من الرمال، وحول القلعة انتشرت مجموعة من الرجال المسلحين المحيطون بها، ثم مسحت الأمواج القلعة كأنها لم تكن موجودة، وعادت الفتاة الصغيرة تبني من الرمل شيء آخر، شيء مختلف هذه المرة، شيء يختلف عن القلعة، شيء جعل القائد(موستس) يقترب من الفتاة الصغيرة، أنه بيت يعرفه، وبجواره أخذت الفتاة ترسم بعقلة أصبعها صورة علي الأرض، جلس القائد(موستس) بجوار الفتاة وراح يتأمل الصورة، وحينما انتهاء الفتاة من الرسم، رمق الصورة المرسومة بذهول، كان الوجه في الصورة المرسومة مألوف له، تلك الصورة تخص المرأة التي. التي كانت، وبغتة سمع(موستس) صوت المرأة المبحوح صاحبه الصورة يخرج من الرسم على الرمال ليقول له بنبرة متقطعة.
– هل افتقدني يا عزيزي الصغيرة.
لفنية لم يستوعب عقله الصوت، حتى عاد ليقول:
– هل افتقدني يا عزيزي (موس).
أرتجف قلبه في صدره بغتة من الرعب، بينما أخذت يديه لا أراديناً بمحو البيت، والرسم من على طبقة الرمال، وعاد الصوت المتقطع، ليقول لها مجددا:
– ألا ترغب في مرافقتي أيها الصغير.
و التفت لمصدر الصوت الذي عاد يقول من فم الفتاة الصغيرة:
– هيا سنتأخر عنهم، أنهم ينتظرون هناك.
“اللعنة هل مت“. هكذا فكر، وهو يرمق الفتاة التي لم تعد هي نفس الفتاة، لقد تبادلت ملامحها بالكامل، تغيرت إلى أن أصبحت هي نفسها المرأة التي كانت مرسوم على الرمال، ثم قبضت المرأة على يده، والتي أخذت تتقلص في الحجم إلي أن أصبحت صغيرة كيد طفل، طفل هو أقرب من حيث الشكل إليه حين كان في طفولته، تلك الطفولة القاسية التي تطارده في ذكريات المنسية البعيد، وأحلامه الدامية، قالت المرأة وهي تقوده إلى مياه البحر.
– هيا فهم ينتظرون منذ زمن.
وفي مياه البحر راحت المرأة تدفن راسه في الماء، وشعر(موستس) بأنفاسه تتقطع وتنتهي أكثر وأكثر.
“راداج كيروس”.
قبل أن تنتفض رأيتها بأخر ما فيهما من هواء.
وأنتفض القائد(موستس) من النوم بغتة.
أنفاس متقطعة سريعة، وكانت ساقه بالفعل ضعيفة الآن، ومخالب المرأة قد فصلت اللحم عن اللحم، حينها كان الدوق قد انتهاء من ربط ساقه بالقماش، والكتان والحرير والفرو من الخارج.
قال الدوق وهو يلف ساقه:
– لقد استيقظ أخيرا.
وقال(سارس) من بعيد بصوت خافت.
– ولكنه لا يبدو بخير أيها الدوق.
أجابه، الدوق المدرب وهو يتابع عمله.
– طالماً استعاد وعيه فسيكون بخير.
قال القائد(موستس) بأنفاس ثقيلة من فرط الألم:
– ماء .
قال(سارس):
– هل أعطيه الماء.
أجابه الدوق بلا مبلا:
– هذا إن كنت تريده أن يموت، لقد نزف جسده الكثير من الدماء، والماء سيقتله بكل تأكيد.
– ماء أريد الماء.
قالها القائد(موستس)،ثم استقام بجسده الضخم بغتة، وجلس يلتقط نفاسه، بعدما أخرج القطعة الخشبية الملوثة بالدماء من فمه، وبصق خليط سميك من البلغم الدامي الممزوج بالألم والأنين والرعب من الحلم الذي لم يتذكر تفاصيلها إلا صورة المرأة العجوزة التي كانت تغرقه في ماء البحر، تأمل المكان الأقرب لحظيرة من حوله عندما ناوله الدوق المتدرب كوب نحاسي الشكل به مشروب مسكن قوي، كان المكان الذي تأمله عبارة عن حجرة مصنوعة من ألواح الخشب، لها باب مصنوع من قطعة بالية مهتراء من قماش عفن ملوث، ونافذة زجاجها رمادي مكسورة، والأتربة على الأرض تكسوها بالكامل، والعناكب والحشرات تزحف عن الجدران ، وسقف الحجرة خليط من القش والأغصان والخشب و ورق الأشجار الجاف فوق بعضها، حيث تلعب القطط البرية مع العصافير التي جعلت السقف عشنا لها، و يتدلى من السقف قوائم سميكة من الخشب الملفوف المخرم بالسوس والمتصل بالأرض التي كانت محفورة هي الآخرة بفتحات الجرذان ، أعتقد القائد(موستس) أن هذا المكان بالتأكيد هو المنزل المهجور نفسه، أو منزل ما يجاوره في تلك البقعة المهجورة في نهاية السوق الحر.
تجرع الكوب النحاسي في دفعة واحدة غير عابثن بمذاقه المر، ففمه الآن جاف كالصخرة تشققت من الشمس، كان يرغب في النوم الآن أكثر من أي شيء آخر، النوم ولا شيء غير النوم، إلا أنه عدل عن هذا الأمر عندما تخيل وجه المرأة التي رؤدته في الحلم اللعين، رمق الدوق المتدرب(مايدس) وهو يغادر من دون أي كلمة، لا يعرف حتي الآن لماذا ذلك الدوق الشاب يمقته لهذا الحد، ولكنه تذكر تلك العوقات التي رقد فيها الدوق بين جدران سجن السوق الحر السفلية، ربما هذا هو السبب الذي جعل البغيض يمقته هكذا، ولكنه لا يبالي إلا بغير الحدث الذي كانفي ليلة الأم…، لا يعرف أنه كانت الليلة الماضية أو أنه، لا بالتأكيد هي الليلة الماضية فالدم السائلة على جلده جفت للتو، قال للحارس(سارس)ذو اللحية السوداء القصيرة والوجه الضعيف بارز العظام والذي كان يقف مستنداً عند ما كان من المفترض أن يكون باب:
– أحضر لي الماء للغسيل، والنبيذ المحلي للشرب.
غادر(سارس)،وعاد بفتاتين يعرفهم القائد(موستس) الفتاة الأولي تدعي(صوفيا) سوداء البشرة نحيفه وصدرها منكمش كأنها لفتي وليس لفتاة، وتحمل دلون من الصفيح بها مياه يصعد بخارها، والآخرة أسمها(هيرين) وتعمل ساقية في النهار وفي الليل لديها عمل أكثر أهمية، للفتاة بشرة خمرية، ولها جسد ممتلئ قصيرة القامة، وشعر طويل أسود يصل إلي مؤخرته البارزة والتي تجعل أغلب الحراس يتصارعون في مضاجعة تلك الكومة اللحمية سرناً، فكر(موستس) وهو يرمق مؤخرة الفتاة السمينة، التي تهتز وهي تصب النبيذ الأحمر القاني من الإبريق ذو الرأس الملتوية، “لو كانت تلك المؤخرة في بلدة الدوقات العائمة فوق الماء، لأجلسه الدوق الأكبر على الخازوق، أو قد تجلس تلك المؤخرة علي عمود الدوق، وحينها تصبح دوقة، ويقتلها الإيمان كل ليلة “.
ناولتها ابتسامة، و كاس من الزجاج بها نبيذ العنب الأحمر المتبل بالتوابل وأوراق النعناع، وأخذت (صوفيا) السوداء في غسل جسده من الدماء بمنشفة مبللة بماء دافئ، قال القائد(موستس) وهو يرشف رشفة من كأس النبيذ.
– كيف حال المصابين؟
تنهد الحارس(سارس)، وقال:
– لقد فقدنا(هارس) و(مانكس) يا سيدي.
قال القائد(موستس) بصعوبة.
– وماذا عن البقية
– (لورس)و(شداس)و (جروس) حالتهما خطيرة، +أما(جوانس) و(حيلاس) فجراحهم بسيطة، ولكنهم فقدوا بضع أصابع.
وضع يدها على رأس ليمنع جمرة الصداع المشتعلة داخل جمجمته، والتي تزايدت مع بلوغ النبيذ جوفه:
– وماذا عن (كيسور)؟
– ذو الساق الخشبية، لا أحد يعلم عنها شيء، باستثناء أنه فقد ساقة الخشبية.
– وأين هو الآن؟
– لم يغادر بيتها منذ أن أخذتها زوجته الجميلة.
فكر “أتمني من(عرسياس) أن يرحمه بمنجل سريع، ويبعد المقدس(قاي) السوس عن ساقه الخشبية”.
فما شاهدة الأخير في الأمس كافياً لقتل عشرة من الرجال، مع أنه يمقط ذو الساق الخشبية، ولا يكن له أي محبة، فإنه أيضا لا ينكر شجاعة هذا الرجل، لقد فعل ذو الساق الخشبية ما لا يقدر علي فعله دستة من الرجال، وليلة أمس كانت كافية، برغم من أنه فقد ساقه الخشبية وأبنه المحبوب ذو الأنياب الطويلة، إلا أنه قاتل تلك المرأة بجنون وبشجاعة، كل هذا العبث الذي صار في الليلة الماضية، يجعل رأسه ستنفجر، قال وهو يركن ببطء علي حافة الفراش بعدما انتهت (صوفيا) من غسله:
– (سارس) فلتأتي بمعطفي؟
ثم وقف مستندناً علي قام خشبي، و حينما عاد الحارس بالمعطف، قال:
– يدك يا سيدي.
أدار عنقه ببطء شديد، وارتداء المعطف، ثم رد شعره الطويل المبتل للخلف، وقال:
– أحضر لي سيفي؟ وقل للحراس أن يجهزوا الأحصنة .
1
بزغ النهار أمامه أبيض في أبيض كالحليب الطازج.
تنفس السيد(جيمس) هواء الصباح النقي البارد، وهو يقف في جمود كأنها قطعة من حجر قديم بلا قيمة، ” العالـم الآن أبيض كزهرة القمر الوليدة“، فكر غير مصدق ما يرمق، ثم أخذ يسأل نفسه بسخرية:
“يختلف الجميع عن حقيقة صفات الآلهة الحقيقية أن وجدت من الأساس، فهناك من يعتقد بأنها رشيدة حكيمة، وهناك من يقول بأنها قاسية غشيمة، والرحمة هبه من عبيثة تعثه القدر، ولكني الآن آراء الحقيقة الوحيدة الموجودة، الأمل… أه… تخرج الحياة من نعمة الموت، الأمل… بالأمس كان الموت هنا، واليوم يبتسم العالم بأمل الـحياة، أه…. أنها خديعة من الآلهة بالتأكيد، أو هي مقلتي تكذب علي قلبي مجدداً، فمـا هو الفرق بين الحقيقة والخيال في عالم قاسي تخلى عنه الأمل، ومكث فيه اليأس والبؤس، والشر“.
الحقيقة والخيال. تنتج ضباب وسراب..
ولكنه لم يجد أي إجابة، فكل الإجابات حلقت في الأفق الغائب، “الترهات الغبية في الصباح من جديد، هل يكذب عقلي أم تكذب مقلتي“، وأبتسم مفكراً في كيفية اختلاف الحقيقة والخيال… ولكنه يعلم الآن بأن الفرق الوحيد بالنسب له بين الحقيقة والخيال، ما هو الا شعره رقيق من الكذب، والكذب له طريقان، واحد أسود مظلم يقود صاحبة للهلاك، وآخر أبيض كالنور، ولكنه لا يعرف أين يودي بصاحبه في النهاية، ولكن الأبيض النقي في حكايات المقدسين هو لون فطرة العالم الأولي، لون الحليب، لون النور، النور الخالد الأول، الذي سطع من قلب الظلمة العظيمة، والتي مكست لأجيال وأجيال، قبل قدوم أباء البشر المخلدون بألوانهم السبعة، ومع تلاقيهم معناً، كانت نقطة بداية الحياة في هذا العالم، أو هكذا يزعم دقات المجمع المقدسين في كتبهم العتيقة، والتي تمسك علي رفوف معبدهم الضالع بهيكل أعمدة الزهور، وتماثيل أوائل المقدسين عند منبع عين نهر(الطائر المقدس).
(ترهات كل هذه الأشياء ترهات، أنا الآن في فراشي أحلم، وأنتظر أن أستيقظ، أو أموت).
أمام الحياة الآن أمام مقلتيه السيد(جيمس)، ما هي الا ثلج في ثلج في ثلج.
حيث أنغمر العالم في الثلج، “ثلج من الأمس”، ومن السماء ضرب نور وهج عوقة الصبح عينيه المرهقتين الذابلتين بعروقهم الحمراء الصغيرة الدامية كجزور الأشجار في طين الأرض، فغامت عيون السيد(جيمس) للحظة من فطرت المشهد الأبيض الذي غمر موجودات العالم، كأنها في بحيرة من الوحل، أغلق مقلتيه، الظلام نعمة لأصحاب القلوب الخاوية، كان قد خرج لشرفة مخدعه العلوية المنبثقة من غرفة نومه الكآبة عندما غادرت زرقة الفجر السماء، فشعر حينذاك بأنه منهك، وقد تملك اليائس من روحه، بينما خارت القوة من بينما يديه، وأصبح شبه مستسلم أي نوم يبلغه، ولكن النوم الحقيقي قد خادع مقلتيه، والسبب في ذلك، هو ذلك الحلم المفزع الذي ما ذال يجسم علي خيالاته منذو آخر ليلة نام فيها، فتفاصيل تلك الخيالات قبيحة، وتلك التفاصيل تعود لتفتح ذلك الجرح الغابر من ذكرياته القديمة المنسية، وتلك الذكريات المليئة بالكثير من التخاريف الخاطئة، والحكايات الفاسدة، والتي لا تمت للعالم بصلة، حيث تتشكل الخرافات فتشبه قرينتها من حكايات أساطير الموتى الأحياء، والمجنحين القدماء، والساحرات المرعبات، الجميلات القاتلات الهاربات بالقلوب، كحوريات القمر المغنيات بالنداء والترانيم علي لحن أنغام وطرب الموسيقي، حيث يخلدون في قلب البحر المظلم، ويرقصون عندما تكون أقمار الليالي مكتملة ، الا أن كل ذلك فسق، وكذب، وتخاريف يصنعه العقل الفاسد للهروب من الواقع.
(الحقيقة الأكيدة، ما هي الا خدعة كبري، فالأوهام ربما تصنع المعجزات).
كان السيد(جيمس) يتذكر جزء من تفاصيل الحلم الذي راوده في أخر نوم له، وأن كان يحمل صيغة الكابوس المرعب، فالرعب ما ذال محفور في عقله بمخلب دامي من الخيال، لا لن يتذكر، فكلما يستحضر تفاصيله الحلم يدوي قلبة، ويشتد الألم، ومع كل لحظة تغمض فيها عيونه مجبرتنا، قبل أن تنتصب جفونه العتيقة المهترئة الذابلة في هول، حينما يتذكر جزء من الحلم، لتنفرج عن أتساع مرتعشة منفرجة واسعة، ويشعر كان قرنيتيه تغادر جفنيه، كأن أحد السهام النارية القاتلة قد ولجت فيه. الا أن سرعان ما يتجاهل الأمر بعد مرو فنية، وربما آخره تعادل لحظه، حيث تبدأ دقات قلبه في السكون شيء فشيء، ثم ينسى الأمر بالتفكير في الأهوال الآخرة، أن الليل الماضية طالت عن أي ليلة يتذكره- باستثناء ليلة اللهب والموت- تلك الليلة التي أحترق فيها كل شيء، أحترق الماضي والمستقبل، ولكنه لن يتذكر الآن تلك الأهوال الماضية، فما رحل قد رحل وانتهاء الأمر، وأن فشل في الماضي، فعليه الا يفشل الآن.
كان يقرأ الهول القادم المكتوم في أوراق الطبيب العائد علي ضوء شموع ظلمة الليل المنصرم، والآن يقف في الصباح أمام بياض العالم الثلجي الوهاج كوهم الخيال، وحيدا كشجرة جوفاء فارغة يتيمة غادرتها خضراء الربيع بعد أن تساقطت أحلامها، نظر للعالم لفنية بتمعن أكثر، بعدما انقشعت غيوم الأحلام من علي بصيرة عيونه الشاحبة، بعدما أغلق مقلتيه لفنية جعلتها يتعود علي واقعة نور الصباح الساطع، والذي يختلف علي النقيض مع ظلمة الليالي الماضية، ولهب الشموع الذي مكث فيها بلا واقع، حيث دلف عقله الفاسد ليطرق أبواب الهلاوس والوساوس، وأوهام خيالات الأحلام الماضية والتي كان قد تعافه منها.
” كأن العالم يشبه ماسة بيضاء مشعة بنور الحياة”. هكذا فكر الوكيل الأول لحاكم مدينة(أوريس) الجنوبية، وهو يرمق صفحة السماء التي كانت تدل علي نهار صافي رائعة بلا ثلوج، نهار علي عكس تلك الأيام الماضية التي جعلت من شكل مدينة(أوريس) عبارة عن سطح من الجليد الأبيض، كان يقف بجسده الطويل الهزيل الخاوي كجزع شجرة منعرج من حكايات الخريف العظيم، كان الرجل مبطور الذراع الأيسر من حدود مفصل الكتف، وقد واجه الريح وجه لوجه، حينما خرج متعسرناً كأن يختنق، لخارج شرفة مخدع برج النصل العلوية، كانت الشرفة العالية تطل علي ساحة التدريب المخصصة لتدريب جنود الأمن، بينما أخذت الريح العابرة الشديدة المحملة ببرد ليالي العاصفة تنخير عظام جسده من النصف الأعلى ، وتراقص معه طرف ذراعه المبتورة من رداءه القطني الأبيض الخفيف المخصص للنوم بفرط الريح،
وقد أخذ كمها الأيسر الفارغ يرفرف كرايه، حينها كان رزاز الثلج المتجمع أعلي سقف الشرفة قد بداء في الذوبان مع ارتفاع درجات حرارة الصباح، ليخلف قطرات من الماء الملوث بالتراب، والذي أخذت تنهمر من الأعلى كأنها شآبيب من ماء المطر، وبللت قطرات الماء المتساقطة تمثالين دب الجبل الواقفين علي جانبي الشرفة، فلمع رخامهم الأسود كماسة الليل المظلمة في حكايات الشمال الخالدة، أو هكذا راق الأمر للسيد(جيمس) وهو يتابع بمقلتي الخيال، التجويف الساطع بفرط نور السماء الأبيض، و الرموز المكتومة باللغة(الهيريجية) القديمة والتي ظهرت أسفل قاعدتي التمثالين، وكانت الرموز عجيبة، فيبرق نورهم كالبرق الذهبي، تلك هي الزمور الخيالي المشبعة بالفض، كلون السماء الساطع بالبياض النقي، تذكر السيد(جيمس) بأن التمثالين كانوا هدية من الشمال إلى(أوريس) الفاتح مؤسس أول قلعة في الجنوب وقاهر بالفيراس الجليد، ولكن التماثيل الشامخين تم نقلهم إلي برج النصل بعد أحداث حريق مدينة(أوريس).
عاد السيد(جيمس) ليرمق محيط العالم الثلجي من الأعلى للأسفل مجددا، وبعيون وجفون مطفأة ثقيلة تقاوم أثر قلة النوم، الذي يتمني قدومه، ولكن الأخير يرفض القدوم، فكر في يأس وهو يداعب راس التمثال كروية الشكل. “الأيام كالثلج يا صديقي، و تذوب مع ولوج أشعة الشمس “. كان جسده المصاب بكسر مروع في عظام صدره ملفوف بأسلاك وصوف الماعز الجبلي. والكتان المنقوع في الخل، وكانت تلك الإصابة علامة مميزة للغاية تركتها لها تلك المرأة الساحرة منذو شهور، علامة كلما تتماثل للشفاء، ويشعر بالتحسن، تعود للسواء، كأن الكسر كان بالأمس.
((لقد فقد روحك)) .
قالتها المرأة من خلف طبقات شعرها الأسود الطويل، وشعر السيد(جيمس) بتلك الكدمة في ضلعة حيث موضع القلب، ولفنية أحس بأنه قد حصل علي اللكمة الآن، وبأن ضمادات جبيرة ضلعه المربوطة قد أخذت في الحل ببطء أسفل رداءه، ومع كل فنية تمر عليه، يشعر بالألم يعود ليضرب نفس المكان، حيث أخذ الألم يركل في عظمه من عظام قفص صدره، فتذكر أنه لم يشرب ذلك الحليب المسكن الذي أحضره له خادمه الأشقر(بول) من عند الدوق الأكبر(هانك)، وكان آخر مرة تناول فيها السيد(جيمس) المشروب المسمى بالخشخاش منذو أيام لا يحصيها، وقد اكتفاء بجرعة صغيرة يتيمه من المرار، حيث قال لنفسه، وهو يسكب محتويات القنينة البنية ذات المحتوي الأبيض في المرحاض: “أنا لست رضيعنا فقد حليب أمي، وأبحث الآن عن حليب بقرة أملئ بها معدتي”. ألا أن ذلك المشروب اللعين كان يزيل الألم بالفعل، فعندما شرب السيد(جيمس) مشروب الخشخاش المر لأول مرة كان وهو صبي في العاشرة من العمر، حينما أخذ قطع بخنجر في ساقه، ومنذو ذلك تعود علي المرار، لسنوات شعر بالراحة فيه، وكان ملاذ له، فتلك الرائحة الفواحة تعود علي مذاق يقاسمهاً نفس الشئ، وهو مشروب آخر، آلا وهو مشروب يسمي(المرجانة السوداء)[1]، وهي مشروب سميك عديم الطعم، ولكن لها رائحة قوية تفوح كأنها زهرة من أزهار الربيع، ولكن هذا المشروب قال عنه الدوق المتدرب علي الطب (شون) في تلك الليلة التي فقد فيها السيد(جيمس) الوعي، وكاد أن يفقد القلب:
ثم حقن الطبيب(شون)، وريد السيد(جيمس) البارز فوق جلده الضعيف، بالسائل الأحمر الفاتح حينذاك، مر بعدها يومين كاملين لم يشعر السيد(جيمس) بأي ألم، ولكن سرعان ما عاد الألم مجدداً، عاد الألم أقوي، وأقوى، أقوي مما شعر بها منزوع الزراع من قبل، الأم كان في صدره، وفي قدمية، وأختلط العالم في مقلتيه ، ثم همس لنفسه ساخرا ً: ” الألم ما هو الا شيء عظيم، ورحمة من ذلك الرب الراقد في مكان ما في تلك السماء الواسعة، وها نحن لقد أصبحت أنا والألم، صديقين حميمين عزيزين يخشون الفراق عن بعضهم البعض “. ومع كل يوم يمر و يمضى كسابقهاً، يشعر السيد(جيمس) بالضعف، والثقل تسري في الذراع المتبقية، والتي لم يغادرها آلم من الأنامل إلي الكتف، كم أنا قدمه لم تعد تستطيع السير أكثر من بضع أميال، فسرعان ما يسري الخدر فيها، وتصبها الرعشة، فتنشل حركتها، ويشعر بتيار سريع وحاد متتالي من آلام الذي يأكل أعصابه عندما يلمسها أحد بغتة.
نظر السيد(جيمس) إلي الساحة الكبرى بغتة، حيث جاء نحو دسته من حراس الأمن للتدريب، وهو ما ينبأ بأن اليوم يختلف عن الأيام الماضية، فقد انقطاعهم الحراس عن ممارسة تمارين الصباح بسبب العاصفة، رغم أن قائدهم القصير الخصي وكلبه الأصلع كانوا سيتسبب في موت مجموعة منهم في أول أيام العاصفة، العاصفة، أنه لم يشهد ما هو أسوء منذو مكث في الجنوب، العاصفة كانت هول، وما خلفته كان أهوال علي أهوال، كانوا حراس الأمن المتدربين يحملون المجارف، والشوكات الثلاثية، وحمل بضع رجال رماح من الخشبية ذات نصل حلزوني من الفولاذي المدبب من نهايته.
وبعد أن أذال الحراس طبقة من الجليد، بداءه الأخرى في الذوبان، ووسط الساحل الكبرى تجمعت برك المياه الذائبة أسفل أكوام الثلوج التي أخذت تنكمش، وتذوب مع كل لحظة، وتكومه أكوام صغيرة هرمية الشكل في أطراف، وجوانب الساحة، بينما راحت الغيوم في التلاشي شيئا فشيء من صفحة السماء مع كل فنية.
ولمعت خيوط ضائله لشمس الصباح.
ومع كل لحظة كانت تمر، عليه حيث يقف مستنداً علي رأس تمثال دب الجبل، تأتي له أنغام التدريب، فتتصاعد أصوات التحام الحراس إلي مسمع السيد(جيمس)، وصوت صدي الضربات يطقطق داخل جمجمته، والهجمات كأنها نسمات، ثم عاقبهاََ أصوات مختلطة كضرب و السقف، والهياج والسيف، لطالماً أحب السيد(جيمس)صيحات المتدربين، فتأمل الحراس بشوق من ذكريات قديمة كان هو وأحد منهم، ولكنها كان أقوي، ولكن كل ذلك كان في الماضي’ فاليوم لا يملك غير، المشاهدة، المشاهدة فقط، كان الحراس المتدربين يحملون السيوف والعصيان والدروع، وكلها من خشب الخفيف المخصص للتدريب، بداء التدريب لطيف ولكنها سرعان ما أصبح قوية و سريعة، وتحمل من النعومة ما تكفي لتجعل السيد(جيمس) يقول لنفسه: “أنه تدريب صبياً، لحراس معاقون يحرسون خصي قصير بلا قضيب، أين كنتم في زمن الفرسان أيها الحمقاء، أين كنتم حينما كانت قوتي، حينما كنت أداعب الفولاذ بالفولاذ كل صباح”. ولكن هذا أيضا، كان في الماض، هذا كان عندما كان الفرسان موجودناً.
الفرسان الحقيقيون، مكانهم في قصص وحكايات عذراء الزهور،
هناك حيث ترقص وتغني حوريات قمر البحر،
كل هذا كان في أساطير زمن الأولين،
الزمن الذي لم يعد في الوجود.
الفرسان، كان من الفرسان، في نهاية عصر الفرسان الحقيقي، العصر الذي انتهاء بنهاية سيده، وشعر لفنية بطاقة الشباب القديمة الممزوجة بالعزيمة تبث في عروقه الحماسة التي أفتقده، وتذكر بابتسامه خيالية ماضيه العتيق المتزين بشعارات الانتصارات مع سيده وهو يتابع أحد النزلات التي نشبت بين حارسين، وأمامه كان النزال في بدايته بعد أن تعرض أحد الحراس صغير الحجم والسن ألي لكمة قوية من آخر، وخرجت علي أثرها الدماء من فمه كأنه سيل عظيم متدلي من شلال عين الاله، ومن فنية للحظة بداء تحدي آخر بعد عراق جماعي أختلط فيها صاحب الحق بالمعتدي، قبل أن يفصل في الأمر الخصي القصير(روني) قائد ألأمن الداخلي للمدينة(أوريس)، والذي جلبه الكلب الأصلع الموالي له.
قال الخصي:
مقاطعناً قال(روني) ساخراً:
وعاد ليرمق الشاب بمقلتين الغاضبتين، وتابع:
ونظر للسيد(جيمس) ثم غادر.
قال الكلب الأسود:
وهكذا راح الحراس يحيطون بالحارسين المتبارزين في دائرة صغيرة العدد، وسرعان من جاء المزيد من الحراس بعد تبادل السباب وألقاء القذف المسيء من كلاء الطرفين، كان الفتي الأول ضائل الجسم كالريشة ولم يتعرف عليه السيد(جيمس)، ولكنه أدرك بأنه قد يكون من تلك الدفعة الجديدة التي أتت من القلعة البيضاء قبل بضع أيام سابقة العاصفة، وكان الآخر يعرفه منزوع الزراع جيدا، بجسدها الممتلئ وقامتها القصيرة وعيونها السوداء الواسعة، وشعره الأسود الطويل المفروق من المنتصف، وسيفها الفولاذي الحاد الطويل، كانوا يطلقه الحراس عليه أسم الرقم سبعة، وكان يعرف باسم(ميلي)، ويملك من الخبرة ما جعلته أحد المساعدين896 التسعة لقائد(روني) الملقب بعدو الجميلات، كان الفتي الضايل قد أخذ يسدد الضربات المتتالية بخفة ورشاقة مما جعل(الرقم سبعة) يتراجع للخلف وهو يتصداه لها بأقل مجهود، كان الفتي الضايل شجاعنا بحق. فكر.
“فتي شجاع، ولكنها متهور ومتسرع”.
وبالفعل كما توقع(جيمس)،فسرعان ما انهك الفتي الضايل بعد عدة ضربات غير مأثرة، وهناء أنقض عليها(الرقم سبعة) وسدد لها ضرب قوية بجانب السيف، فسالت الدماء حمراء قاطنة سريعة علي رقبة الفتي كالشلال، قبل أن يفقد توازنها، فأدركها(الرقم سبعة) بضربة أخري أعلي الركبة، فهواء الفتي سليط اللسان علي الأرض وقد فقد من الوعي ما جعل ثلاثة من المنتمون اليها في سكب بعض الماء علي وجهها.
رفع(ميلي) الملقب بين جنبات القلعة باسم(الرقم سبعة) قبضتها للسماء بينما وضع طرف سيفها فوق رقبة سليط اللسان الذي بداء باستعاضة وعيها تدريجين، وسط هتافات الأنصار و الخائفين الذي أجبروا علي عكس موقفهم السابق الذي كان يأيد الخاسر ليجنبوا أنفسهم بطش المنتصر وحاشيتها، لطالما عرف(جيمس) بأن الرقم سبعة من أفضل المبارزين في القلعة، برغم جسدها الممثلة.
“مبارز رائع ويملك قلبنا رحيمنا كقلب الام.
ويدرك(جيمس) تماما، لو كان كلاب روني المخلص(سام) مكانها لفصل راس الفتي سليط اللسان عن جسدها من دون أن يهتز لها رمش.
أبتسم (جيمس) عن رايتها لأشعة الشمس تداعب طبقة جلده، لقد أشرقت الشمس بعد أربعة أيام لم تظهر فيها.
“كنت لأظن بأن الشمس قد ولت للأبد”.
أخيرنا سيعود ليتابع حديقتها الجميلة، بأزهارها النادرة، وثمار التفاح الأخضر والأحمر والأصفر وشجيرات العنب الأرجوانية وطيور المراسلة من غربان وحمامات زاجلة، وبجعات مدربة وبغبغنات الصيف المرددة بأواخر الكلمات، لقد أشتاق بالفعل للنوم مستلقينا تحت أشعة الشمس الدافئة، وهكذا سيودع(جيمس) بأكبر ابتسامة ممكنة تلك الثلوج بعد نهاية العاصفة الثلجية، لطالما كرها جيمس البرد والثلج، وخصوصنا تلك الليالي الماضية منها.
أربعة ليالي متواصلة عنوانهم هو النهاية.
حيت انهمرت فيها الثلوج من السماء كأنها فيضان نهر تصب في عيون أوريس، ومع الفانية الأولي للعاصفة أختبئ كل موجودات العالم تحت سفيع الجليد، وتزينه قمة أشجار غابة الجبل بغلاف أبيض سميك من الثلج المتراكم، وكان طريق القلعة الرئيسي المؤدي لوادي الصخور قد أنقطع هو الآخر بعد أن تساقطت بضع شجيرات بعارضة الطريق من فرت الريح الشديدة، بينما جسمت أكوام هائلة من الجليد المتصلب علي الطريق الطويل، لقد أمضاء سبعون فارس من فرسان القلعة نصف ليلة في أذلت أطنان الجليد وفروع الأشجار الساقطة، حتي تمكنوا من أخلاء الطريق الفرعي المؤدي للبوابة الصخرية، بينما تهشمت البوابة الشرقي بعد انهيارناً صخري مصطحب معها كتلة كبيرة من الجليد المتصلب، وحتي قلعة الدرع الكبرى هي الأخرى لم تسلم من الليالي القاسية الأربعة الماضية للعاصفة الثلجية، فصارت أبراجها الطويلة التي كانت مصادر تميزها بين كل قلاع (دولة كوار جينا المقدسة) كومة بيضاء سميكة من الجليد المتراكم، ولكنها ليست أهم خسائرها، لقد فقدت القلعة خمس من رجال حراس المناوبة الليلة، بعد أن تجمدوه تحت أنقاض الانهيار الثلجي الصخري الأولي في الليلة الثانية للعاصفة الثلجية.
تقع قلعة الدرع أمام جبل عشبي عالي مليئة بأشجار غابة الجبل علي نهاية حدود الدولة، حيث تطل القلعة علي البحر القديم من الغرب وبحر البركان من الشرق، ولقد تم تشيد القلعة العتيقة قبل سبعة قرون، لتكون خط الدفاع الأول والسد المنيع ضده طمع أبناء بالفيراس سكان أرض الجليد في الجنوب، والي اليوم تعد القلعة هي تحفة فنية معمارية بين قلاع الدولة، ودائما ما يقول(جيمس)بأن تلك القلعة تقع في المكان الخائطة من العالم .
“لو أنهاء في الشمال ،لكنت مطمعنا لأوغاد البلاد.”
تذكر(جيمس) الحكايات التي سمعها عن مشيد القلعة( أوريس) الملك الحكيم العظيم الذي حكم الجنوب وشيد القلعة بمزيج مختلط عجيب من الصخور والخشب والحديد في عصر من قبل بناء(دولة كوار جينا المقدسة)،كانت القلعة في ظاهرة الأمر لتكون هدية لزوجتها بعد أتفاق السلام من الجنوب وغزات بالفيراس، او هكذا ظن الجميع، ألا أن القلعة شيدت لتكون نقطة لمراقبة جيش الجنوب حينذالك، تراقب بالفيراس وتتابع حرب الممالك القديمة علي البلدة القديمة والتي اندلعت علي حدود نهاية العالم، وللعظيم(أوريس) أعمالنا خالدة، لقد شق بعد سنوات أكبر قناة بحرية عرفت باسم قناة الجبل الاخضر والتي توصل بحر البركان بالبحر القديم، وهكذا فصل قلعة الدرع كأنها جزيرة منفصلة عن المملكة الموحدة، قبل أن يحفر أقدم وأكبر خندق شهادها عين بشري علي الأطلاق، خندق عظيم يمر أسفل القناة البحرية ليربط القلعة بالمملكة الموحد حينذلك، لطالما سمع(جيمس) الكثير من الحكايات عن ذلك الخندق العجيب الذي كان السبب في كسر ظهر قائد جيش (بالفيراس) في معركة الهامسات القاتلة، حيث دخل المعتدون عين من عيون أوريس ثم انطلقوا لداخل خندق أوريس بأعدادهم الغفيرة لتستقبلهم مياه النهر من الأعلى، يقولون بأن رائحة عفن الجثث ما ذالت هناك، وتصاعد لراس(جيمس) أغاني خانات الجنوب علي مجد البلاد الذي جاء بدماء الأبطال والمحاربين .
“في الليلة الهمسات الطويل، و أسفل مياه أوريس العظيمة، رحل ضوء القمر المكتمل، وتوقف الزمن حيث وقف الجنود كالأسود شامخين، أمام الاوغاد الراقعين، الذي جاء من ظلمة المظلمين زحفين كالجراد أكلين، ومن هنا ومن هناك دقت القلب قبل الاجراس، ومن دون سيوف الأسود في الصدور ،بلغ الرعب الحدود، بلغت أعتاب الصخور، جرت السهام فوق المياه بلا دموع، ألم ونار في الظلمة باقون، وفي السماء حلقت ألحان الرماح تدوي كالف رعد، وبمعاصم الشجعان سقط الاوغاد الاوساخ، وارتوت الارض الطاهرة بدماء الكلاب، راحتهم هناك، أجسادهم عالقة هناك، ستظل ذكرها ظهرها خالدة لكل جبارنا تملص من كل الأؤثاق والاعراف، نعم نعم فالوغد مات، نعم نعم فالظل راح، نعم نعم فالعدل جاء، نعم نعم فالنصر جاء”.
“هكذا كان زمن الفرسان، هكذا كان زمن الملوك العظام و الأبطال الشجعان”.
فكر منزوع الزراع، سيوف و فرسان، وهياكل رجال، ودماء أبطال، الا أن كل هذا المجد الذي حققها عقول الملوك، فسيف الأبطال تحويل في القرون الأخيرة الي رماد، بل الي تراي بل تحول الي لا شيء، لقد فقدت البلاد الامن والأمان، فقدت الملك النبيل الواثق، فقدت الفارس والفرسان، فقدت المجد والامجاد الخير والاخيار، العدل والانصاف، وأصبحت القلعة التي أرتوت بدماء الابطال مجرد ضخرة عابرة بجوار جبل وأساطير بلا اي قيمة، الاوغاد الان يتصارعون، فيأكل الاسياد العبيد، ويشربون الدماء في الكاؤس، الذهب الان هو طريق المفضل للجميع، وتبقي الحكايات والاساطير ذكرة تروي في مجلدات الاعيان، هناك قلعة ما أقصي الحدود دافعت عن المملكة والدولة ضد أشباح بالفيراس، أنها ذكرة منسية مكتوبة من وحي خيال كاتبها.
نظر(جيمس) لأبراج القلعة فوق راسها، ثلاث أبراج طويلة تهدمت وأصبحت ذكرى من الماضي، كانت في وقت ما تكاد أن تلامس السماء، أو هكذا تخيلها بعين خيالها، فالحكايات التي تقال عنها وعن حريقها المروع الذي كان كالشموع في الظلمة ،ثلاث أبراج أسطورية كانوا فيما مضاء أعجوبة من عجائب البشر المهاجرين، لقد أطلق(جيمس)فيما مضاء أسم علي كل برج من الأبراج المهدومة الثلاث، وكانت الأسماء تعود لأبناءها الرحلية، أو الذي ماتوا.
ردد الصوت الأنثوي الساحر الذي لن ولن ينسها بداخلها، ليهز جدران أعماقها، لو فقد كل ذكرياتها لن ينسي حزن أطفالها، لكم يفتقدهم، أو لقد فقدهم بالفعل – أبناءها- حياتها- أحلام قلبها، لقد فقد أبناءها علي أسوار تلك القلعة المشاومة، كان لدي(جيمس)مقولة شهيرة يرددها بين العقل والقلب، بين اليوم وألامس، بين الضوء والظلمة، بين السيف والفقدان، حتي حفظها وحفرها بالدماء بالألم والوجع علي جدار الليالي الكايبة، هذه القلعة المشاؤمة سلبت منها كل شيء، ماضية وحاضرها وبالتأكيد أيامها القليلة الكايبة القادمة، وكذلك، وكذلك. .أنها يذكر. لا أنها لم ينسئ هذا علي الأطلاق.
ثم تحسس مكان يدها اليسرة المبتورة من أعلي الكتف، هي الأخرى، فقدها في سبيل تلك القلعة المشاؤمة.
“هي كانت ..هي ..هي.”.
وبعدها ماتت كل الذكريات، وحتي الآن هو يتذكر كيف كان يقاتل بها مرتزقة الارين وبالفيراس الهاربين عبر أمواج الخليج المتجمد أثناء رحلات الاستكشاف البحرية، وكيف كان يستطيع وقتها حمل جميع أنواع الأسلحة، مثل قوس وجعبة وسهام السيد(وان) الذهبي أصلع الراس، ورمح(لوسي) الأشيب ذو الوجه الحديدية، والدرع الفضية اللمع للسيد(فيني) القوي بجوار سيفها الكبير، ذلك السيف الذي وريثها من معلمها السير(ويليم) العظيم المعروف بلقب (قاطع الراؤس) ،كم تمني أن يكون مثل معلمها، كم تمني. .كم. .ثم رمق تمثال سيدها(ويليم) البرنزي في ساحة القلعة، لطالما وقف السير(ويليم)العظيم شامخ الراس، قاطع راؤس الاعداء، يتذكر(جيمس)لحظات الغدر الأخيرة في حياة سيدها، وكيف مات في سبيل تلك القلعة، وكيف استطاع تحمل أكثر من ستون طعنا من سيوف ورماح وسهام الغدر، قبل ان يلتهم جسدها الزيت الملتهب، دون أن يسمع أحد صرخاتها، الاوغاد أنهم كالأفاعي يعيشون و يضربون من أقرب الجحور، لطالما تأتي أشد طعنات الخناجر الحادة من أقرب الأصدقاء،(روس) ألخائن يرقد الأن في أعماق ظلمة الجحيم الواطقي،(روس)ذلك الوضيع الذي تقاسم معها ومع سيدها الخبز والشراب، روس الوغد يرقد مع الأوغاد، ومعلمها الحبيب(ويليم)يرقد الان في سلام، بعد أن أخذها الموت الملعون، ففي هذا العالم الموحش كثير من الأموات يستحقون الحياة. وكثير من الأحياء الأوغاد يستحقون العذاب والرجس وقطع أعناقهم وتعليق راؤسهم فوق الرماح، ولهم الشرف أن يفعل سيدها(وليم)هذا، أو سيف سيدها بالخصوص، فالسير(ويليم) بالتأكيد هو أعظم محاربة مر في تاريخ تلك الأرض بجوار الخالد السير(جوستاف)ذو الدرع العظيم الملقب بالقلب الحديدي.
الأيام تجري كمياه النهر، تسري كالدماء في مجري العروق، لا تتوقف ألا بالموت، برغم رحيل الشرفاء، ومكوس الأوغاد علي أرض الأطهار، و(جيمس)كان يسير علي درب معلمها الصحيح، كان يقاتل بسيف العظيم الذي ورثها منها كأبن مخلص يعتنق درب أبيها، ولكن هذا كان في السابق، هذا كان درب من دروب الماضي، هذا كان عندما كان يستطيع حمل سيف معلمها العظيم، آو أي سيف آخر من الأساس، هذا عندما كان يملك ذراع طويلة وكفناء قوي خمسة صوابع كالفولاذ، أمام الان فهو لا يستطيع الا حمل جنجر مزغرف صغير، الويل واللعنة علي الالهة،دائما قاسية،دائما ما تاخذا القوة من الأقوية،والشرف من الشرفاء،والعز والمجد من ألاوفياء.وتمنحها لاشباه الرجال ألاوغاد حاملين سيوف ورايات الكلاب،جمعين ذهب وخير العباد،لقد دعاء(جيمس)الرب المقدس(قاي)في السماوات السبعة لسنوات،بدعاء الرحمة و دعاء المرض،ثم دعاء الالهه الحية في مياة البحارالبعيدة ومنهامياه الأنهار المقدسة الذي جاء منها الحي(أوريس)بدعاء الغفران،وثم قدم القرابين والهداية وأشعل الشموع لسيد الاسياد المنتظر(الاله السيد القديم)سيد(البلدة القديمة)،وكذلك تمتم بكلمات السلم والواجب الاربعة لرب الشمال المزعوم (هوراي)سيد النجوم،وحتي الهة السحر والضباب والناردعاء لها،وكذلك دعاء اله الموت المحرم في البلاد الجحيم الملتهبة في قارة(واطقية)،الا أن جميع الدقات والكهفان والمردقين والادفاك وحتي الانباغ والمروشين والانواز كاذبون،كل الالهة كاذبة،جميعهم بلا أستثناء.
عادة(جيمس)لغرفتها بعد أن ضربت الريح الباردة عظامها الباليه مجددا،ثم رمق صورة عائلتها الراحلة المعلقة علي الجدار الصخري المطلي بلون البندق الفاتح،(تومس)أبنها البكر،حلمها الذي لم يكتمل شمسها وريثها أحلامهاوحامل دربها من بعدها، و(فوكس)الذي كان يشبها،يملك شجاعتة وقوتها،يملك أرادتها،وصغيرها(رينالي)الذي لطالما غناء لها عن حكايتها و قصصها مع السير (ويليم)والخائن(روس) التي لم تبلغها الخيانة حينذلك،وكيف كانوا يحاربون العمالقة والديدان الضخمة،(رينالي) الذي كان نسخة من أمهاء.
“صغيرة الجميل”.
وكذلك زوجتها فيراء الذي اخذت قلبها معها.
جميلتها الرقيقة جامعة التوت،والتي كانت تنشد بكلمات الهواء أثناء تنضيف جرحها بعد كل معركة يخوضها،ومعها كان يغوص في نشوت صوتها الشجي الناعم كالسحر والحرير،ماذال يسمع صوتها يتردد.
(داعب سيفك في الريح يا بطلي
فالوقت حان لاذهب عائدة الي وطني
لقدأصبحت الان حره كالجميع بفضل بيدك
وستظل ذكرياتي الجميلة معك تدق قلبي للابد
أينماء رحلت في المشـــرق كنت او حتي في المغبب
ساهمس دائما لقمر الليالي المكتمل بألحان سيفك المنتصر
وتحت ضوء النجم المبتعد، سأكتب بدمي علي وتر البحر بأنك فارسي المنتظر ).
لو كانت حبيبتها حية الان، لاعادة يدها بلمسة من انملها التاعمة.
لو كان سيدها العظيم حي، لرقد كل ألاوغاد بين قدميها ساجدين.
“بل لرقدوا في تراب القبور بلا راؤس”.
ألا أنهم موتي.موتي…
جميعهم الان موتي،موتي بلا أستثناء،وهو حي،حي بلا هدف في قلعة يطاردها أعداء بلا نهاية علي حدود العالم،أكثر من أربعة عقود مرت علي ذلك اليوم الذي فقد فيها كل شيء،مقابل أن يحافظ علي أمن صخرة لها أبراج قديمة متعفنة تسكنها الجرذان والرماد وحطام الزمان،يتذكر الحصار والموت والنيران المشتعلة في سيدها ومعلمها(وليم)،ضربات السيوف والرماح في الدروع وأجساد الحراس المساكين وهي تقاوم نيران حجيم واطقية التي تلتهمهم،وآخرؤن أنهرسواء كحبات الذرة تحت أحد قاذفات المنجليق الحجرية،مجموعة أخري تسقط من فوق أسوار القلعة لينهرس لحم أجسادهم،يتذكر(جيمس)علي الدوم ذكريات المعارك التي خاضهاوقاتل فيها،صمت البدايات،فسرعة الخيول،فوحش أرتطام الفولاذ،فسقوط الرجال ألاحياء ويصبحون جثث من ألاموات،ثم يغوص بعين خيال لبرهة في أنهار الدماء التي تحيط بها ويتمنئ أن يأتي الموت سريعنا،ثم يعود للصخب فالسكون فالهدواء فألانفجار بالسيوف فيسمع فصيحات الأعداء ونداء الأصحاب يردد بلا توقف”أرجوك ساعدني”،ثم يسمع ضراخات أبناءها”أبي”،”أبي”. وتسحبها داؤئر الذكريات فيعود ليتذكر منظر ذراعها المقطوعة علي الأرض،الظلمة هي قبر عائلتها،وتمثال سيدها يطالمها بالوعي القديم الذي قطعها عندما رافقها لأول مرة.
الويل علي الليالي،كم يكره الليالي وسهر الليالي،كم يكره التذكر،كم يكره نفسها،عقلها الآن في دائرة بها دائرة بداخلة دائرة في آخرى تملأها الذكرايات القديمة والحديثة وألافكارمن الا مكان،الألم يتصارع مع الخوف،يتصارع مع الخيانة، يتصارع مع الحقيقة، أنها الان يقف في منتصف متاهة ومن أمامها أبواب و من خلفها أبواب، كأنها في متاهة عيون أوريس، تكاد راسها تتمذق و عظام جمجمتها تتشقق، كل هذا… كل هذا.. كثير، كل هذا كأنها بالأمس، كأنها اليوم، بل كل هذا يسمعها في أذنيها.
صداها يتردد يحت لحمها.
كأنها يحدث الأن.
[1] المرجانة السوداء هي خليط بين القهوة و التوت الأسود والعنب وقوامها ثميك كالدم.
2
كانت غرفتها المخصصة للنوم شبة مظلمة.
كان سيف سيدها(ويليم) القديم معلقنا بصورة أفقية علي خطاف ثنائي الراس بارز من الحائط، وقد تجمعت علي هيكلها طبقات رمادية من خيوط العنكبوت وذرات الأتربة وشرنقات الصراصير و الحشرات والذباب الميت، فدائما ما يمنع(جيمس) خادمها(بول) من تنظيف السيف، ليكتفي كل يوم بالمرور أمامها والنظر لها ليعرف خسرتها، فبعد أن فقد ذراعها اليسرة، أعطها الدوق الطبيب الراحل الحكيم(بيتر) جرعات طويلة من مشروب العسل المخلوط بالتين الأسود ليسترد جسدها قونها السابقة، آلا أنها كان يفشل في رفع السيف كل مرة، كم كان يفقد توازنها علي الدوام بعد أن فقد ذراعها، حتي المشي كان بها صعوبة، ولي أكثر من مرة وفي أكثر من محاولة فشل(جيمس) في رفع السيف، لم ينفع معها الدعاء ولا العلاج ولا حتي السحر، وكانت أخر مرة حاول فيها(جيمس) رفع السيف الضخم انتهت وهو يغوص في وحل الخنزير وإفرازات حيوانات الإسطبل، وسط ضحكات من الحراس المتدربين وحتي خدام القلعة وبالتأكيد(روني).
جر(جيمس) منضدة خشبي مصنوعة من الذان الأحمر ووقف فوقها، ثم رفع غمد السيف من علي الخطاف، ليقع السيف بوزنها علي الأرض الرخامية محدثنا صوت ارتطام، مسك (جيمس) السيف من حذامها الجلددي الأسود وجلس القرفصاء علي رخام الأرض الدافئة، ثم جر السيف الفولاذي الضخم علي ركبتـها، وبداء في مسح طبقات التراب المتراكمة من علي غمدها الطويل، فتلقلقت طبقات الفضة الفاتحة المصقولة برموز الشمال السبعة علي سطح الغمد، عاكستن وجهها الذي لم يعد يمت لوجهها السابق بصله، لقد فقد أيضا الكثير و الكثير من الشعر حتي أصبحت مقدمة راسها بها بصلتين او ثلاثة علي الأكثر، وهو الذي كان يمتلك شعرنا كشعر الحصان، كان شعرها فيما مضاء أسود طويل يصل الي نصف ظهرها، هذا كان في الماضي، أما ألان فقد أصبحت بصلات شعرها بيضاء كبياض الثلج، ووجهها أصبح خمري أصفر كالليمون الفاسد، وعليها تراكمت مجموعة من طبقات متعرجة من التجعيد الطافحة كأنها طحالب بحرية قديمة، وتعرجت العروق الدامية في مقلتيها السوداوان، الشيء الوحيد الذي تبقا منها علي الاقل هو ذقن الكثيفة، بالتأكيد لم تعد تلك السوداء الكحلة المظلمة كالسابق، بل صارت رمادية كثاء كالغيوم، وأسفلها انطلقت شبكة من العروق الخضراء الباهتة أعلي الجلد، شبكة ظاهرة باردة لا بداية لها ولا نهاية لها، زفر(جيمس) في ياس تعود عليها مع دلوف خادمها بول من الباب مسرعة، وبصوت يدل علي أنه قد أستيقظ من نومه للتو، قال الفتي (بول):
كان(جيمس) قد أدرك الفتي منذو أن دخل، وعاد من ذكرياته لواقع القلعة المشاؤم، الواقع المرير الذي أصبح فيها عجوز خرف منزوع الذراع يصارع الاوهام و الامراض ويبتكر القصص الكاذبة، كان يعشق سرد القصص وبالتأكيد تلك المتعلقة بالقائد(روني)، فدائما ما حقق(جيمس) الكثير من الامتيازات من تلك القصص، كان ليعتقد بأنه يعيش أحد هذه القصص الوهمية، ولكنه الحقيقة الاليمة، لقد جاء اليوم الذي يساعده فيها فتي كان في أحد الأيام عبدنا.
“أه أنها الأيام، تجري كمياه النهر بلا توقف، الصغير اليتيم(بول)الخائف أصبح من الرجال الان”.
تربة الفتي(بول) بين جنبات القلعة منذو أن جاء اليها وهو الثامنة من العمر، كان الفتي أشقر الشعر، أبيض البشرة، ذو عينين زرقاوين غريبتين تلمع كالماس تحت أشعة الشمس، ولها شارب خفيف ولحيه أخف مناسبة لمراهق صغير، يملك جسد طويل كالرمح، نحيف كالسكين، وكان الفتي أيضا يملك صوتن ساحرنا ينشد بها الاغاني، لقد بلغ(بول) السادسة عشر منذو بضعت أيام، لقد بلغ الفتي الان مبلغ الرجال، كان الجميع في القلعة يتعاطف مع طفولة(بول) القاسية، لقد ولد الفتي في بلدة(الوادي الاخضر) القريبة من(السوق الحر) والتي تبعد عن القلعة مسير نصف يوم، مات والد بول في أحداث [نهب السوق الحر الدامية]،ثم تخلي عنها عمها بعد أن أستولي علي بيت أبيها بالقوة، وزوج بالفتي(بول) اليتيم الصغير وإمهاء الارملة المقطوعة من شجرة للشوارع بلدة(الوادي الاخضر) القاسية، ولكن سرعان ما ماتت إمهاء هي الأخرة بعد مرور نصف عام من موت أبيه، فقد سرعت المرأة عربة أحد الاثرية أثناء هروبها بقطعة خبز كانت قد سرقتها من أحد محلات الخبز في(السوق الحر)، حيث راح حراس السوق يطاردون المرأة، ومن ثم بسق صاحب محل الخبز علي جثتها بعدما استعادة قطعة الخبز خاصتها رغم تلوثها بدم المرأة، وهكذا أصبح(بول) ابن الثمانية سنوات متشردان شحاذ وحيد يأكل جرذان الطريق الميتة، أو ما يتركها الكلاب العابرة بالتحديد، قبل أن يأخذها أحد تجار العبيد أثناء نومها بجوار قمامة أحد الخانات ،بعد أن وشاية بها صاحب الخانة ليتخلص من تطفلها علي الزبان، ودفع لتاجر العبيد رشوة وهي عبارة عن زجاجة كبيرة من مشروب التوت البري والتي تقبع عندها في صندوق من الخشبة أسفل قبوها لسنوات لا يذكر عددها، ثم باع التاجر(بول) في(السوق الحر) في نفس اليوم كعبد بلا أرادة لصاحب مزرعة خيول من بلدة (النهر الحدودية)، مقابل فرو ماعز جبلي حشن أسود اللون وعملة فضية منحنية ليست منقوشة، وهكذا أنتقل(بول) للعيش بين روث وخراء الحيوانات وإفرازات الطيور وأشغال المزرعة التي لا تنتهي، يرفع الروث من أسفل الخيول ويفرش القش، ويجمع بيض الدجاجات، ويغسل السروج، ويطعم كلاب الصيد المسعورة، وأسواء شيء هو الدخول لتنظيف المدخنة، وكل ذلك مقابل قطع صغيرة من الخبز والجبن الصلب في نهاية كل غروب للشمس، ثم النوم بالليل وسط حزم من القش وسروج ولجامات الخيول، ومرت عليها الايام من الشروق للغروب ولسعات البرد، وبعد عدة أشهر من الجوع والالم والاهانات والضرب من خدم المزرعة الاسود والذي لن ينسى(بول) أسمه مطلقنا (ساي)، لطالما ردد(بول) أسمها وهو نام، ذلك الحارس هو الظلمة نفسها،(ساي) الاسود الاصلع، يشعر بها في ظلمة الاسطبل، يراقبها ويتجسس عليها.
كأنها ظل يقبع في الظلمة.
ولذلك قرر(بول) الهروب، فسرقت أحد الأحصنة او أحد الحمير والهروب بها تحت جنح الليل كانت فكر تبدو مميزة، الا انها كان يتردد في فعلها كل ليلة، ظل(بول) يرددها كلمة:
يرددها علي الدوام، في أعمالها الشاقة تحت عرق حر النهار، وتحت نجوم الليلة الساكنة، وفي أحلامها أثناء نومها، حتي لاحظ أحد العبيد الأخرين الامر، وهناء كان الفخ، فبعد ليلة غريبة خمدت فيها المزرعة من الأصوات، رودت(بول) فكرة الهروب، فوجد نفسها يسحب حمار من الأسطبل، ثم امتطها ثم انطلق بها، ولكنها لم يعرف أين يقودها الحمار بالضبط في ظلمة الليل، وأدرك بول متاخرنا انها لم يقود اي حمار من قبل، وفجاء توقف الحمار، فقط حينذاك زمجرت كلاب حارس المزرعة الاسود(ساي) والذي خرج فجاء من الظلمة، فطوقها الكلاب السوداء(بول) في دائرة، بعد أن وقع من علي الحمار الذي هرب مسرعان، وهكذا وقع(بول) في الفخ، فتلقاء الفتي ضربات وضربات من حارس المزرعة، ثم ضربات أخري من صاحب المزرعة الذي أمر بربطها في(السوق الحر) وجعلها عبرة لمن يحاول سرقتها والهروب من قبضتها، وظل(بول) في السوق لثلاثة أيام مربوط الوثاق ومعلق بسرج حصان في عمود خشبي طويل، لم يشفع للفتي عمرها الصغير للخلاص، فعاش (بول)علي بضع قطرات الماء من جعبة القليل من الرحماء العابرين، حتي ظهرت ضلوعها الفتي وبرزت خارج جسدها، ومن ثم جاء السيد(جيمس)أمين قلعة الدرع، والمعروف أيضا في(السوق الحر)بالسيد منزوع الجناح، وببضع عملات فضية لصاحب المزرعة الثمين ذو الوجه المليء بالنمش، اشتراء حرية الفتي، مع عبارة من حارس المزرعة الأسود(ساي) وهو يفك وثاق الفتي.
قابلها(جيمس)بأنسامه لاذجة، ومن داخلها يقسم بأنها لو كان يستطيع لمزق الثمين ذو النمش ثم سيحشر العملات الواحدة تلو الأخرة في فمه، ثم سيقطع رأس ذلك الاسود الأصلع ذو النظرات المخيفة، كانت لتكون رأسها أجمل من فوق ذلك العمود الخشبي، ولكنها لا يستطيع، فقط لأنها…فقط ذراعه.
وهكذا راح(بول) الصغيرة اليتيم ذو الثامن سنوات الي قلعة الدرع، وأصبح خادمة للسيد(جيمس) أمين القلعة والملقب بالسيد ذو الذراع الواحدة، او بالسيد منزوع الجناح، وبين المتدربين الجدد يسمي برجل الوحل، وهو لقب أطلقها عليها القائد(روني) أثناء أحد الاحتفالات.
قال السيد(جيمس) للفتي(بول) بابتسامة ظهرت فيها أسنانه الصفراء المطموسة ببقائه كأؤس القهوة الكثيرة التي تناولها طيلة الليل.
قال(بول)وهو يرمق الشموع السائلة فوق المنضدة.
رمق(جيمس) الرسائل المبعثرة بجوار بقائه الشموع، ثم أجابها:
فمنذو بداية العاصفة ينام(جيمس) ساعات قليلة، قبل أن يستيقظ علي نهاية أحلامي دامية، ومن ليلة ألامس لم يغمض مقلتيه، وتحديدنا بعد أن جاء أليها الدوق الطبيب(شون) أمس من رحلتها الطويل، والتي استمرار أكثر شهر، و ها هو طبيب القلعة يعود وحيدناً في ليلة عاصفة، جاء الدوق من دون رفقاءها وعلي راسهم السيد(موسالين) وريث القلعة، جاء(شون) صامتنا بجسد يهتز كوتر القوس الذي أطلق السهم لتو، فقط بضعت أوراق مبتلة يسيح حبرها علي بعضها، أعطها الدوق الطبيب ستة أوراق لا تظهر لها معالم، وقال بأنها سيسجل التقرير النهائي لما حدث معها في الصباح، فقد شعر(جيمس) بحاجة الدوق الطبيب(شون) للراحة، فرحلة طويلة الي أطلال (البلدة الأسيرة) في أعماق” الجبال الحمراء ” ،قادرة علي أنهاك أقوي الفرسان، فما بالك بطبيب لا يعرف عن الرحلات سوء من يسمعها من العزفين والمغنين والحكائين في ضواحي البلدة المقدسة حيث تعلم هناك تعليم المعلمون وطب الأطباء وحكمة الحكماء، ولربما خاض الطبيب غمار معركة أو قتال، فهو ككل الاطباء لا يعرف عن المعارك والحروب سواء بعض الجروح النازفة بالدماء والضمادات التي يلفها علي الكسور، وحينها يسمع صرخات المصابين المحتضرين في نهاية أنفاسهم.
رفع(بول) السيف الضخم من علي ركبتين سيدها، ثم وضعه بحرص علي الخطاف ثنائي الراس، كان السيف ثقيل بالفعل، حتي علي مراهق شاب، بينما نهض السيد(جيمس)مستندنا علي يد الفتي، ودس الأوراق منعدمة الهوية والتي أعطاها أيها الطبيب بالأمس تحت معطفه الصوفي الطويل، بعد أن جففها علي لهب الشموع، وعلي الرغم من هذا لم يفهم أي شكل من الأشكال أو أي كلمة مدونة علي الورقة باستثناء بعض الحروف المبهمة المكتوبة بلغة (الهيرايجية) القديمة في نهاية أحد الاوراق.
عند الأكتمال سيكون هناك يتحدث اليهم، ثم سيتكلم الآخر لمرة واحدة فقط.
ناوله الفتي(بول) الخنجر الصغير المطلي مقبضها بالذهب، ثم فتح لها الباب، قبض منزوع الزراع علي يد الفتي هابطين الدرجات الرخامية للأسفل، قال(بول) بنغمة ما يبغي طلب:
رد(جيمس)وهو يبثق البلغم من علي صدرها \في ركن السلم:
لقد تأخر الضيوف، ثم أخرج عطسة خفيفة، وتابع:
قال خادمها الأشقر:
قال(جيمس):
ضحك السيد(جيمس) بقوة جعلتها يشعر بمزيج من الم ضلعها وألم صدرها، وقال وهو يداعب شعر الفتي الأشقر بأصابعها.
تابع قالنا، وهو يهبط درجة ملتوية.
قال الفتي:
نظر منزوع الزراع أليها، وقال:
حك الفتي(بول)رأسها مفكرنا، وقال:
قال(جيمس) وهو يخرج ظفرة.
قالها(جيمس)،وتابع بسخرية:
كان القائد(روني)يشتهر بين الحراس بأنها عدو المرأة الأول، وهناك أقول تتردد بين جدران القلعة، بأن السبب هو أنها قد فقد رجلتها داخل فم أحد العاهرات عند مبلغها، وأخرون يقولون بأنها فقد رجلتها كرجل علي يد زوج امرأة كان قد ضبطهما يتجمعان سرنا في أحد الاكواخ، ومن بين كل الحكايات والقصص الكاذبة التي ينشرها(جيمس) فهو يعرف السبب الحقيقة، السبب الذي يتمثل في أم (روني) العاهرة، تلك الشابة التي كانت مزارعة بسيطة قبل أن يغويها أبيها التاجر المقامر بأنها سيجعلها سيدة لأكبر خان، فهربت البلهاء فقدت العقل والعلم معها تحت جنح الليل واتجها ألي مدينة (زوزنسا) الحرة، لتتفاجأ البلهاء بقوانين تلك المدينة التي تمنع رجالها من الزواج من الغريبات، وذلك بحسب معتقداتها الدينية لأله النجم الساطع.
بل أقنعها التاجر المقامر بأن القانون يتيح لها أخذها كأحد العبيد مقابل دين او واجب قديم، وهكذا وافقت البلهاء مجددا علي تكون عبدة مقابل وعد كاذب منه، أخذ زهرتها في مشهد من الكذب الذي أستمر بضعت أيام، ثم فجاءها بعدها باحتفال كبير من الزبان العاريين في سريرها، واستمرت المفاجأة في كل ليلة، وفي أحد ليالي الشتاء الباردة قايض أبيها خانها بسعر خارق بعد مكسبها في لعبة الأوراق والفرسان، وهكذا أنسحب أبيها التاجر المقامر من حياتها سرنا بعد أن أنجبتها أمها بأسابيع، وهكذا ذهبت أمها للممارسة الرزيلة بأمر من صاحب الخان الجديد، فقواعد مدينة(زوزنسا)الحرة واضحة ،للمالك حق التصرف في ممتلكاتها، أكنت تلك الممتلكات جماد أو بشر أو حيوانات، وفي كل ليلة كانت أمها تذهب لتدفئة فراش رجل جديد لتأمن للفتي(روني)الصغير حينذاك حياتنا أفضل، وكانت أمها تردد لها دائما بأنها أبن الوغد الذي يأكل من عرق العاهرات، بعد أن سمعت من صاحب الخان بأن زوجها التاجر المقامر الكاذب ناقد العهود والوعود يملك أكبر بيت من بيوت العاهرات الان، ثم التحق(روني) بأمها كعامل تنظيف للخان بعد بلوغها خمسة أعوام، وكان يسمع الدعابات المسيئة من رفقاء الليل عن أمها ذات الثديين الكبيرين والبقع السوداء في جسدها الخمري، وكانت الدعابات تدق مضاجعة مع مرور الليالي فالأيام فالأعوام، حتي أطلق عليها أحد الشاربين ذات ليلة بأنها أبن الفرج الذي يولج فيها الجميع أصابعهم الغالية، وأصبح هذا اللقب يطاردها، وفي أحد الليالي وبعد بلوغ مجموعة من حرس المدينة أعلي درجات السكر نداء أحدهم علي(روني) بعد أن بصق بلغمها علي الأرض. وقال:
مرت الايام، وبعد بلوغ(روني) الحادية عشر من عمرها، وأثناء أحد الليلة التي كانت مخصصة للجميع من الإضجاع من غروب الشمس الي شروقها شاهد أمها تجوب حجيرات الخان مع بقية العاهرات، انت أمها ثمينة الارداف وقد شاهد أحد الرجال يشد شعرها ويولج أخر لداخلها، وأخر يفرغ نطفتها عليها، وعندما انتهاء رفعها رجل أسود علي كتفها واصتحبها للاعي يحث يقل الصخب وبدون مقدمات ولا تفكير، أنسل (روني) خلفهم كظلهم، وتوقف عند باب غرفة السهر العلوية للخان، ثم أطلق صفيرنا طويل، فمد لها فتي في نفس عمرها برميل من النبيذ، سكب(روني) برميل النبيذ من تحت عقب الباب، وبعد فنية واخري أدركها ما حصل، عندم القاء بالمشعل الناري وتحول النبيذ الي لهب، فتحولت غرفة الخان والخان نفسها الي لا شيء، فقط النيران، فالرماد، فالصمت بعد الصرخات، قبل أن يهرب(روني)بما أستطاع حملها من عملات الرجال فقدين الأدراك بمساعدة ثلاثة من عمال الخان، الذي راحوا يسرعون بخيولهم والهب يأكل ما تبقا من جدران الخان.
قال (بول)،هامسنا:
قال(جيمس):
أبتسم الأشقر وقال:
هز راسها نافينا، فتابع (جيمس).
“لطالما كرهت صمت الجدران، يا لك من عصفور مارق”.
بالتأكيد فالعصفور يعلم كل شيء من دون فعل أي شيء، وهو ما يجعل الرجل أخطر من في القلعة، تذكر(جيمس)كيف رد العصفور علي (روني)حينما سألها عن عدد الذين يعيش في القلعة، حيث باغتها بعدد الرجال الذي يسكنون كل برج من أبراج القلعة، وكم رجل في بلدة القلعة، وكم فتاة وكم عاهرة وكم عذراه، وذكر أيضا أسماءهم وأشكالهم وماذا فعلوا في ذلك اليوم، حتي أنها ذكر لــ(روني) بأنها قد تبول تسعة مرات بالأمس، وخمسة مرات في اليوم الذي يسبقها، لطالما شعر(جيمس)بالخوف بل شعر بالرعب من ذلك العصفور المارق، يخاف من نظراتها من صوتها الفحيح الذي يشبه صوت الثعبان، ويخاف أكثر من أن يقرا أفكارها، فالعصفور المارق هو الشخص الوحيد الذي لا يعلم عنها أحد أي شيء، قال محاولنا نسيان أمر العصفور وصمت جدرانها.
لطالما شاهد السيد(جيمس) كيف يزمجر الكلب علي أعداء صاحبها، أما(روني) فهو علي النقيض تماما، فهو ينهش لحم من يقترب من كلبها. ردد(بول)،بأعجاب جعل كرتين مقلتيها الزرقاوين تلمع بفرط الدموع كالنجوم في لسماء.
“احتضنتها، بل كنت قبلتها”.
فكر(جيمس)، ثم قال:
قال(جيمس)عندما انتهت درجات السلم.
صمت برهة ثم قال:
هز(بول)راسها بالإيجاب، ورحل.
3
الورقة الأولي
الميت الذي عاد
لكي أصل للخلود يجب أن أعبر الجحيم.
بقلمي وحبري وأسمي المنسي بين سطور الأيام، سأكتب ما سيحدث ليشهد القادمون من بعدي في هذا العالم علي ذلك الهول المنتظر، والذي سيحدث رغم محاولتهم الفاشلة.
أنا هو العارف بالقديم، ونيران الجحيم تطهر الروح من الخطيئة، لتمنحي القلب الضال تلك الدقات النقية، والتي تقودها لإيمان النهاية، فتتذكر الروح العابثة رحلتها منذو البداية، وبعدها يأتي نور الاستقامة المعروف بالمغسل، الذي منها تذهب الروح لتسكن في أعماق الخلود الأخير، أنها القدر المقدر والمكتوب علي الوجوه منذ ما قبل الوجود، فهناك أراد شامخة بداخلي ترفض أن تنكسرا، الويل علية وعلي قلوبهم الفاسدة، فشمس ألاله الذهبية تأتي بأغاني وترانيم الحرية، ألهي الحبيب يا نور السماء، أظهر للروح طريق الإخلاص، فالمعذبون خالدين في رمال متاهة الصحراء، ها أنا أجسم علي رقعة الويلات، معذبون هم، أموات هم ،في الصراعات أسود علي الضعفاء، وملوك من ورق ينعمون في الذهب، عبادك اليوم في يأس، في ظلم، وقريبا ستحل عليهم ظلمتك المنتظرة.
ألهي الحبيب أنا ذلك العارف الهارم، لقد رقد لسنوات في متاهة الأروح، أعلم أنها استحقاق وواجب مقدر، فما كتبتها الأيادي يتسمم بها العقول و تفسد منها القلوب، وقلوبها سوداء مظلم قاسية كالليل والصخور، ألهي الحبيب أنا ذلك العارف نفسها مازالت في حداد، وبرغم هذا سأظل أنتظر حتي تبركني بشعاع من نورك المعظم، ألهي الحبيب، ها هي أرضك الجميلة، والتي لم تتغير، ما ذالت كما هي، مظلمة قبيحة فاسدة، وتلك هي قلعة الأهوال، حزينة سوداء كالطين، لم تمحي ثلاثة عقود عبثها، أنها كنفوس أبناءك، تشتهي المزيد من المجد الكاذب.
الويل الويل، ها أنا أعود أليها بدعوة منك يا ألهي يا حبيبي، هم ألان يستعدوا يحتفلون، ملك يرحل ويأتي آخري، من يموت يموت، فالتراب ملجا كل العابثين من أهل الجنوب،(قلعة الدرع) هذا أسمكي كما كنت أتذكر، فأهلي كانوا هناء، وأجسادهم الفانية ترقد تحت تربها، أه يا ألهي الحبيب كم كنت من الصامتين، فالجنوب لا يحب العاجزين، وعملي هناء سيجلب الصادقين، فاليوم سيشهد الجنوب علي هول الأهوال.
الأيام هناء لن تمر، والقلوب سترتجف بلا برد، فالرعب قادم، عذابك قادم اليهم، لقد رحل الصادقون منها، رحل من كل يملك العطف و الحب، وضعف أيمانهم هو مفتاح حصد أرواح حياتهم، وأسيادهم يشبهون الأسود دائما يبحثون علي اللحوم، ألهي الحبيب يا نور السماء، بنورك سيشهد الجنوب عذابك الأبدي، رعبك الخالد، قسوتك الخفية، وأروحهم ستعود أليك قرابين كانت أو حتي رماد محترق، وشيطان قلوبهم سيدمر أمالهم.
وبدماء القديمة الموجود في زمن التيهاء الأبدية، سأكتب ما كان يجب علية كتابنها في مهمتي الأولي، ثلاثة عقود مرت عليهم بسلام. لقد فشلت في السابق، وهم الآن أحياء موتي بلا أرواح، بفشلي هم خالدين، بسببي كل هذا حدث، وعلي يدي التي أخطاءه في الماضي أن ترجع لتنتقم، والان سياتي معي الهول ليدق عليهم كل الأبواب، لن يترك أحد، ولن يفرق بينهم، أنا العارف بما حدث في البداية، وفي النهاية سيرقدون معذبون للأبد، قدرهم هو الموت، قدرهم هو الجحيم، قدرهم هو الهلاك.
بنورك المعظم في قلب عيون أوريس.
الطريق ألي أرمانا
خرجت خيوط أشعة الشمس صافية، ذهبية، لامعة، دافئة الملمس، كأنها جسد امرأة في فراش الشتاء.
رمق(رافائيل) العالم بنصف عين تكافح النوم، وقال لنفسه وهو يتساب، “أن العالم في الصباح رقيق وعذب وجميل، كقلب عذراء خجول يغشي المداعبة، كم أشعر بالسكر من نور الشمس، أه ما أجمل العيش في أحضان الجميلات، الحسناوات، اني بحاجة الآن لهذا الشعور حقناً”، تذكر الجميلات( آريان) بنت الجزار كبير الحجم وغبية الملامح وأسنانه كالمنشار الا أن وركيها متلاين، و(جلين)الجميلة أخت الراقصة لها برتقالتين صغيرتان، كانت أضعف من أن تحتملها لو ولج فيها، لذلك هربت مع المهرج المبتسم القصير، و(ينفر)…. الأخيرة تجعل قلبه يدق، فهي الأكثر نشوة وجنون بين كل من يتذكرهم، ووضع يده علي قلبه وسمع الدقات.
دق، دق، دق…
عاد(رافائيل) يحاول النوم بغلق مقلتيه مجدداً، هامسناً قال لنفسه، “النوم نعمة لمن يملك السلام في قلبه، فالسلام لا يأتي الا بعد النوم“، أنه بحاجة للسلام كذلك، السلام والرائحة، فجسده منهك وبحاجة للنوم، كان ليكون الآن في سلام، في راحة وأمان، كان ليكون في الفراش الدافئ بجانب (ينفر)، يداعب لها جوهرتيها الصغيرتان المستديرتان فوق قلبها النابض بالحياة، ويستنشق العطر علي رقبتهاً، وينهال من برميل عسلهاً، ولكنه واجب الأخوة اللعين،(ينفر) القمحية بنت أرملة خان البئر الصغرى، ذات الشعر الكستنائي الناعم الطويل، والوجه العذب الطفولي ، كان ليستمتع بها أكثر من ذلك، أنها ما ذالت في السابعة عشر من العمر، وجسدها الضعيف يعطيهاً أصغر من ذلك بكثير، ولكنها في الفراش تصبح مفترسة راقصة كأنها واحده من نسل سيدات الجبل، قال لها في أول ليلة ولجهاً بين أشجار (الجرجوس)[1] الأبيض الراقصة.
قالتهاً وهبطت دمعة علي خدعة، عرف(رافائيل) بأنها مالحة حين قبل خدها، الفتاة جميل وصغيرة وتعيسة، فكر “ أنها تعاني مثلي“، قال لها:
كان ليقول شيء، لكنه قبلته، وكأنت الإجابة هي المزيد من الرقص والرقص.” الجميلات، أن قلبي يعشق كل الجميلات، أرقصي يا سيدتي الصغيرة أرقصي…“، رقصة في فكرة، ورقصة في ذكرى، ورقصة في حلم، ولكنه تذكر رقصة الليل، ورقصة العار، ورقصة الخيانة،
وعاد يفتح مقلتيه، وقلبه يدوي.
دق، دق، دق…
“الشمس لامعة، خيوطها من ذهب، كشعرها، كان من المفترض أن تكون لي، ملكي “، فكر(رافائيل) بحزن، وعاد قلبه يدق أسرع، ويدق أسرع، ويدق…
دق، دق، دق، دق، دق…
…(عيونه زرقاء كالماء والسماء، فستانهاً أحضر كأشجار الربيع، حين تبتسم ينبض العالم بالحياة)…
دق، دق، دق…
كانت عوقة العصفور حينها لم تنتهي بعد، وظلت رائحة عبق الياسمين القوية تفعم الهواء لليوم الثالث من مسيرهم علي الطريق المقدس الذي تزين بالأشجار والغابات علي جانبيها، كان (رافائيل) يعود ليغمض عينيه ثم يعود ليفتحهم مجدداً، مرة من أثر ذكر، ومرات كثيرة لا تعد علي صياح الحداد الخشن، وهو يضرب ظهور أحضنه العربة التي تقلهم باللجام والصوت الجلدي الطويل، في قلب جفونه ومقلتيه، يحتاج(رافائيل) للراحة والسلام، وشعر ببعض منها، حيث تتنهد إلي مسامعه الأصوات الرقيقة كأنه غناء ساحر، الأشجار تغني له، ” أن الأشجار تشعر بي، تشعر بقلبي“.
دق، دق، دق…
جعله صوت دقات قلبه يبتسم، وراح يرخي راسه المنهك من قلة النوم للخلف، أكثر قليلاً، أكثر قليلاً، وأخذا يتأمل فوق فروع أشجار الصفصاف الطويلة ذات الأوراق الخضراء، والتي امتدت بجانبي الطريق المقدس، والذي أمتد أمامه بلا نهاية.
دق، دق، دق…
كأن الأشجار تردد لها أغنية ما.
هوااااااااااااااااااااهغ، هواااااااااااااااااهغ ااااااااااهغ ااااااا، هواااااااااااااااااااااهغااااااااااااااااااا
حيث غردت طيور(الويراس )([2]) الصغيرة بصوته العذب المنادي بالطعام، بعد أن غادرت أمهاتهم العشوش عند مشرق شمس الصباح للبحث عن طعام ، “أني جائع كذلك… “.
الجوع مؤلم حقناً، هكذا تذكر كيف فتح المقدس(أوريس) الجنوب، الجوع، لا تقتل أحد في الحصار، فقط أتركه للجوع، لا بأس ببعض الدود أو العلق أو الحشرات أن كان طائر ما، و لكنه يفكر أكثر بلحم الغزلان التي يتركه حيوات الغابة المفترسة، للحم الغزلان فوائد كثيرة، أهمها أنها تشبع الجوعة، أصدر بطنة صوت الجوع، كأنه تذكر الآن هذا، “أصمت أيها الأحمق”.
كانت العربة تشق الطريق المقدسة الطويلة الذي أطلق عليه(رافائيل) بالأمس، أسم طريق الياسمين الزاهر، لفرت أزهار الياسمين الكثيفة المزروعة و المنتشرة علي جانبيهاً، كانت الأيام الثلاثة الماضية من مسيرهم لم تنقطع ألا لمل قربهم بالماء من أبار المطر، وتناول بضع الأشياء التي يمكن أن تكون طعام للخنزير فقط، وأثناء مرورهم لم يقابلوا سوي تاجر عجوز وزوجته الثمينة، وثلاث رجال ضعاف البنية ،كانوا قد تعرضاً لهجوم من أحد الجماعات التي تغير علي الماشية، وكلفهم هذا المزيد من الطعام والمياه التي كانت كافية لها، وهكذا أصبحوا بلا طعام وليومين، فقط طعام الخنازير الذي لا يصاح لأحد باستثناء الحداد.
وفي هذه الأثناء كان عقل(رافائيل) يتخيل نفسه يجلس أمام أكبر وليمة علي أكبر منضدة في أكبر قاعات الجنوب، وعلي كلته جانبيها ترقد أجمل الحوريات وبملابسهم المختلفة، وجميع من في الجنوب يهتفون باسمه راف الشجاع، راف منقذناً، و الحداد والحامي و(موسالين)، و منزوع الزراع وروني وسيد القلعة الذي انحناء لها وصب لها كاسها من عنب الجبل، وسمع أهل الجنوب يرددون عبارة أنا هذا الرجل هو منقذناً من تلك المرأة الساحرة، وسمع أخرون يقولون، يجب أن يكون سيد الجنوب لا بل يجب أن يكون المقدس الأعظم نفسه، راف الشجاع، راف الوسيم، راف القوي، أبتسم رغمناً عنها وهو يتخيل نفسه يجلس علي عرش دولة كوار جينا المقدسة، كم سيكون وسيم حينها، وحينها سيختار أجمل الجميلات لتدفئ له مخدعه، وتنجب لها سلسال لا نهاية من المقدسين الشجعان الصغار.
فقط في الأحلام السعيدة يكرم المرء علي الدوام.
و ما هي آلا لحظات مرت عليه حينما صاح الحداد الضخم(رونولس) بغتة، بصوته الخشن القوي الذي يجعل القلوب تدوي كما يدوي الصلب علي الحديد.
ووكزه الحداد، فأنتفض(رافائيل) بغتة من مكانه، والنعاس كان قد بداء يغمره، ولوهلة ظن بأن المرأة الساحرة قد هربه من قفصها الحديدي مجدداً، فنظرة لا أراديناً نحو القفص الحديدي في الخلف، ولكنه وجد القفص كما هو، والغطاء القماشي عليه، فرمق (الحداد) الضخم بعين متفحصه، بعدما عاد الهدوء لقلبه ، فوجد(الحداد) يشير بيده الضخمة القوية القصيرة، نحو المدينة التي لاحت أمامه في ألافق البعيد، وعاد (الحداد) يكرر:
فنظرة(رافائيل) بتمعن للمكان المقصود، و جفون عينيه ثقيلة كالحجارة ، بعيداً في الأفق لاحت مدينة ،ومع اقتراب العربة أكثر بداءة أسوارهاً في الظهور، ومن أعلي الأشجار ظهرت قمم الأبراج الخمسة عشر الطويلة المذهبة، كانت قمة الأبراج توهج كالمشاعل من بعيد، ، قال(رافائيل) بكسل وهو يتثاءب:
قال الحداد وهو يضرب الخيول لكي تسرع:
كانت المدينة التي يشاهدها الآن تختلف بالنقيض عن مدينة(عسقلان) كاختلاف الليل عن النهار، فمدينة (عسقلان) الصلبة الجافة التي تشبه في طبيعتها مدينة( أوريس) بلاده الحجرية الصخرية والتي تغزوها الجبال و الهضاب و الوديان الكهوف والتلال والرمال، بالإضافة لتربه أرضها الفاسدة التي لا تصلح للزراعة، أما هذه المدينة الذهبية تحيط بها الغابات الخضراء من جميع الأنحاء، كأنها الغابة تحتضنها، فهي الجنة ذاتها، كان منظره البديع قد أدخل لقلبه الراحة والسكون، علي الأقل سيحظى في تلك الجنة الجميلة بوجبة أفضل من ذلك الطعام المقزز الذي يطهيه ذلك (الحداد)، رمق(رافائيل) المدينة التي أخذ جمالها يزداد مع كل ميل تقطعه العربة باتجاهها، فعلي عكس الحداد الضخم(رونولس)الذي جاب معظم بلاد دولة(كوارجينا) المقدسة، كان (رافائيل) لم يشاهد مدينة في جمال(أرمانا) من قبل، فهو الذي لم يغادر الجنوب الا لبعض المدن القريبة من الجنوب، و بعض الأماكن الساحلية للدولة أثناء فترة تدريبه الإخبارية في (قلعة الترس) القريبة من المدينة البيضاء، فقد كان يذهب علي متن بعض السفن التجارية التابعة للدولة لميناء (البلدة البيضاء) حيث يباعون التجار في سوق البلدة الكبير السجاد اليدوي والجلود الحية والأحصنة الأصيلة، وأحصنة الحرث، والسمك المملح والجاف و المجمد، برغم أنه كان ينتظر علي متن السفينة حيثما يباعون بضاعتهم، الا أنه كان يسمع من أفراد السفينة وتجار الجنوب ومرافقيهم عن تلك المدينة الجديدة، والتي تسمي(أرمانا)، والتي يشتري تجارهاً كل من يعرض في أسواق الدولة.
قال(رافائيل) بانبهار كأنه شاهد امرأة عارية:
أجابه(الحداد)، وهو يشد لجام الأحصنة ليعرج بالعربة لاتجاه ذلك الطريف الفرعية المادي باتجاه بوابات المدينة.
كانت المدينة من بعيد كالجوهرة المشعة بالذهب، وأبراجها الطويلة الشامخة تعطي المدينة شموخ وعزة لا نظير له، ففكر(رافائيل).”أن جمالهاً لا يوصف، كعذراء في ليلة الإضجاع”، ترنحت العربة الخشبية وهي تعرج للطريق الفرعي المؤدي للمدينة، فشعر(رافائيل) بأن الطريق المؤدي ألي المدينة مستقيم للغاية، وأفضل بكثير من الطريق المقدس الذي جعل العربة تتراقص كلما تصطدم العجلات بأحد الأحجار، كانت العربة الخشبية التي تقلهم ذات عجلات من الخشب السميك ولها أطار مستدير من الحديد الصلب الذي يغطي هيكلها الخارجي، و رقد فوق العربة قفص حديدي ضخم يختفي خلف ملبس من القماش الأسود الذي يخفي بدورها أنظار الناس عند المرأة الساحرة الموجودة بداخل القفص، كانت تلك العربات ذات الأحصنة الأربعة يستخدم الصيادين في أسواق مدينة(أوريس) لجلب الأسماك الضخمة التي ينتشلوها من البحر، ولكنهم استخدموها بعد أصرار الحامي العجوز الذي قال بأنهم الطريقة الأنسب لنقل تلك المرأة الساحرة، فجميع الناس سيعرفون العربات المخصصة لنقل الجنود، وسترفض أي مدينة دخولهم أليها. “وكيف سنعبر أسوار هذا المدينة”.
كان(رافائيل) يتمني لو أنه قد جلب حصانه(ركس) معه، أنه يحسد صديقه السيد(موسالين) الآن، كان يظن أنه سيجلس في العربة كالملوك، ينام حينما يريد ويستيقظ ذلك، ألا أنه تفاجا بأمر سيده الذي قال له بأن النوم في الليل ممنوع، فالمرأة الساحرة تراودهاً الأحلام العالقة في ظلمة الليل، وبالتالي تعود أليها الأوهام المنسية، ومن الممكن أن تستدعي الظلال لتهرب كما حدث في الطريق إلي عسقلان. وهكذا صاروا يقسمون النهار في النوم، فيحرس أحدهم الأخر ويذهب الثالث للصيد في حالة نفاد كمية الأكل، ومنذو يومين لم يصادفه أي خان أو قرية علي الطريق، فأصبح الصيد هو سبيلهم الوحيد للحياة، إلا أن الحداد يفسد كل الصيد بطهوه السيئة، كانت بطنه تئن وتتلوي وتصدر أصوات الجوع من فتر لأخره، فلم يستطيع أكل ذلك الحساء المصنوع من أوراق النباتات وبعض اللحوم التي تبقت من صيد اليوم الذي سابقها، فتظاهر أمام سيدها والحداد بأنها يتناولها إلا أنها كان في الحقيقة يبثق كل رشفة يأخذها من الوعاء، كان يدرك أنها لن يكرر ما فعلها في بداية الرحلة، فذلك الحساء الأصفر المصنوع من لحم الأرنب الذي جلبها الحداد كان كالسم في أمعاءها، لقد ظل الليلة بأكملها يفرغ ما في جوفها، تحت كلمات الحداد الضاحكة. قال الحداد:
أجابها(رافائيل):
كانت السيد(موسالين)قد تركهم عند مطلع الفجر، لقد ذهب لمقابلت ذلك الحامي العجوز الذي قال لهم بأنها سينتظرهم بعد شروق الشمس في خان ما يعرفها سيدها، كان الجؤ علي حدود المدينة رائع، فهو معتدل وتملئ أرواح الهواء روأح أشجار الصنوبر و أعشاب النعناع والياسمين، توقف العربة بعيدا عن بوابات المدينة، كانت تعليمات السيد(موسالين) واضحة، وهي لا يقترب أحد من المدينة قبل ظهر الحامي، قال الحداد(رونولس)وهو يهبط من علي العربة.
قالها(رافائيل) صاحكناً، ثم هبط هو الآخر من علي متن العربة، وسمع أنين الجوع يأتي من داخل أمعاءها، تثاب وهو يأخذ قوسها وجعبتها المليئة بالأسهم من أسفل حزمة من القماش كان يستخدمها كوسادة للنوم، كان يعلم بأن التمرين كافين لعدم التفكير في الطعام، وبالتالي سيتنسى أصوات بطنها الطالبة للطعام، تقدم من شجرة قريبة من جانب الطريف وخط في قلبها بمقدمة راس السهم الحاد خمسة دوائر متتالية وفي منتصفها نقطة بحجم الزيتونة، رجع للخلف ووضع جعبتها علي الأرض وسحب منها سهم والقمها في قوسها وسحب الوتر بعد أغمض عينها وفتحها، ثم أطلق سهمها الذي شق الهواء و رقد في قلب النقطة المحفورة علي الشجرة، يعتبر(رافائيل) أفضل من يمسك القوس في الجنوب أنها ماهر في هذه لدرجة أنها أصبح قائد فريق السهام في جيش القلعة، لقد أطلق عليها قائد الجيش السيد(أوريس) لقب السهم السريع عندما أصاب(رافائيل) ثلاثة من اللصوص الهاربين من القلعة بضربة واحدة حملت ثلاث سهم .ألتقت (رافائيل) سهم آخر من الجعبة، والقمها في قوسهم وقال قبل أيطلقها:
ثم أطلق السهم نحو الشجرة ليستقر بجوار السهام الاول، وشعر(رافائيل) بأن الحداد الضخم(رونولس) هو من أستقبل السهم وليس الشجرة، عندما تغيرت لون قسمات وجهها، كان(رونولس) ذو بشرة قمحية متدرجة نحو الغمقة، وعينين بندقيتان كالعسل و التمر الجاف الصلب، قصير القامة لدرجة أنها لا يمكن ملاحظتها، الا أنها ضخم الجسد لدرجة أن جسدها يعادل ثلاث أجساد من أجساد الرجال العادين، يملك شعر بني طويل معقود علي شكل ذيل حصان وأن اختفاء هذا الطول بسبب تشابكها من الإهمال في عدم التمشيط من الذيل، كل كذلك في وعاء، وتلك القبضتين الضخمتين في وعاء آخر، فأنها يمتلك قبضتين يمكنها تحطيم راس رجل بالغ بكل سهولة، رد الحداد بنبرة حاد يخفي فيها غضبها الذي يشتعل بداخلها أسرع من النار في الزيت.
كان ألم الجوع ماذال يدق بمطرقة داخل أمعاءها، وكان يعتمد علي السخرية من هذا الحداد القصيرة، بعدما فشلت تلك التمارين في مجارات فكرها الدائم في الطعام، ألا أنها ترجع عن العبث مع الحداد القزم بعدما راء الغضب الذي يلتمع في عيون ألاخيرة، فكر بعدما أطلق سهم آخري أبتعد عن أخوتها، وأستقر أسفلهما بيردة كاملة.
“أنه ينتظر تلك اللحظة لينتقم عما حدث في عسقلان”.
والذي حدث هو أثناء توجدهم في مدينة(عسقلان) قصة سمعها وقرر تنفيذها علي الرجل الخطاء، فقد أخذ(رافائيل) أربعة عملات فضية من الحداد الضخم (رونولس) القصير وقال لها بأنهم سيستأجر أحد بنات الخان لتقضي معها الليلة، أستغل أن القصير يعشق فتيات الشمال الشقراوات، كانت تلك الليلة هي الليلة نفسها التي ذهب فيها سيدهم (موسالين) برفقة المرأة الساحرة في القفص وذلك الحامي العجوز والدوق الطبيب(شون) الذي كل يعني من المرض، لمكان الدوق الأكبر لمدينة (عسقلان)، وهكذا أستغل (رافائيل) الحداد القصير وأخذا منها العملات، وبالفعل جلب (رافائيل) فتاة تحمل ملامح الشمال، ألا أنها لم يعطيها للحداد، بل لنفسهاً، لقد قضي (رافائيل) معهاً الليلة، و(رونولس) هو الأخر قضي ليلتها، ولكن لم يقضيها مع فتاة، بل كان في المرحاض، حيث يفرغ معدتها، ثم يعود ليفرغ معدتها من جديد، لقد أستغل (رافائيل) ذلك المرض الذي يعاني منها الحداد في حاسة التذوق، ووضع أليها مسحوق الفلفل الناري الذي سرقها من محفظت الدوق الطبيب(شون)، وذلك المسحوق كان يستخدمها الدوق في تفريغ أجساد الحيوانات من بقاياً أثار السموم، لقد ساعد الحداد في أنزال وزنها، وعمل لها عصر وغسيل لتلك الأمعاء الغليظة الضخمة التي تجعلها كبرميل الأسماك المجمدة، وهكذا أقسم الحداد الضخم (رونولس) أن ينتقم لكرامتها، وما جعلها يصر علي الانتقام أكثر، هو قول(رافائيل)لهم في صباح اليوم الذي تلا تلك الليلة حيث داخل الحداد غرف الفتاة فوجد(رافائيل) يعتليها ويدس فيها أعماقها سهمها، جزبها الحداد من عليها، قبل أن تفر الفتاة عارية للخارج، قال الحداد:
قالها (رافائيل)،أجاب الحداد:
أجابها (رافائيل) بسخرية:
ولذلك يحرص(رافائيل) علي الابتعاد عند الحداد، فذلك القصير سيمزقها أن أتقترب منها، ولكنها يعلم أنا الواجب المفروض عليها في المهمة يمنعها من فعل أي شيء، ألا أن (رفيال) ينوي العودة لوحدة، وفي بلدة النهر سيمكس لفترة ثم يعود للقلعة، فمن الوارد أن تأخذ أعمال الحدادة علقا الرجل، وينسى ذلك الانتقام الفارغ، لو أن ممارسة الرذيلة مقبولة للأبناء الجنوب كما في الشمال لأبلغ سيدها(موسالين)بأمر ما حدث، الا أن قانون القلعة يعتبر ألرذيلة من الخطيئة التسعة المحرمة، قد تصل عقوبتها حتي الطرد من القلعة، أبتسم وهو يتذكر ذلك القانون الذي لا يفرق بين الأغنياء والفقراء، وقال للحداد، وهو يلتقن سهم آخر من جعبتها.
ظهر الغضب علي وجه الحداد، وقال بصوت عالي وهو يقترب من (رافائيل):
ثم أمسك(رافائيل) من رداها الأسود ألا أنها كان قصير لدرجة أن قبضتها لم تصل لعنقها، وفي أقل من فأنية وجهة(رافائيل) مقدمة راس سهمها، نحو راس الحداد ذات الشعر المتشابك، وقال محذرنا:
صاح الحداد فيها بغضب:
ومن أعلي العربة صاح صوت الدوق الطبيب الذي أستيقظ للتو، يقول:
نظر(رافائيل)للدوق الطبيب(أوكفيس) ذلك الأحمق الذي ينام علي الدوام، لقد تناسي أمرها، فهو ينام أكثر مما يستيقظ، ذلك الدوق الطبيب الأحمق الذي ألتصق بهم بعد أصابه الدوق الطبيب(شون) بمرض الظاروق([3]) والذي استدعاء أن يرقت في(عسقلان)، ألا ان من حاءة مكانها هو هذا الأحمق الذي ينام علي الدوام، حتي أن مكان نومها هو بجوار قفص المرأة الساحر والذي لا يجروا أي أحد علي الاقتراب منها، أطلق (رافائيل)سهما ليستقر بجوار راس الدوق، بعدما ترك الحداد رداءها وعاد ليجلس في مكان علي العربة، شد الدوق السهم من باطن العربة الخشبي وقال وهو يتثاءب:
قذف الدوق السهم باتجاه(رافائيل) وشد العطاء علي وجهها وتابع نومها، زفر(رافائيل)وهو يسحب سهمنا جديدنا من جعبتها، أنها يكن لذلك الدوق كراهية ما، فمنذو أن سمع بما حدث للحداد قلب محفظة(شون) ولم يجد بها مسحوق الفلفل الملتهب، وكلما يستيقظ يكرر أنهم لم يجد المسحوق. وكأنها يشير في كل مرة عليها ليقول للحداد هو من فعل ذلك بك، وعندما سحب السهم علي الوتر، سمع صوت يصدر من خلف الأشجار وبغتة ظهر شاب كان يرقد وعندما شاهد سهم (رافائيل)الموجه بأتجاءها، فتوقف الشاب بغتة، وقال في بصوت متقطع من فرط الجهد :
ثم أقترب منها ووضع كيس قماشين أمامها، وعاد للخلف، كان(رافائيل) سيقول لها شيئا، الا أن مجموعة من الرجال ظهرت من بين الأشجار فجاء، وقال رجل مهشم الانف، وهو يقبض علي مقبض سيفها.
قال (رافائيل)وهو يعجز في أحصاء عددهم.
قاطعها صاحب ألاف المهشم وقد أشهر سيفها الطويل بسرعة.
رقد الفتي مسارعنا، الا أن الحداد قد قبض علي معصمها بقوة، ولم تكن تمر فانية أو أكثر، حتي أنقد الرجل ذو الانف المهشم بسيفها الذي شق الريح مع كل خطوه يخطوها نحو (رافائيل) الذي وجد نفسها يترك وتر القوس تلقائنا من دافع الخوف في أعماقها، لينطلق السهم بسرعة وليستقر في صدر الرجل ذو الانف المهشم، فرقد جثة بلا روح علي الأرض، وقد صنعت الدماء أسفلها بركة حمراء تمتصها الرمال، ولم يعم الصمت سوئ بضع لحظات، وأنقض رجل آخر ضعيف البنية باتجاه (رافائيل)، ويحمل سيفنا ليس بالطويل في كلتا يديها، وقبل أن يبلغ هدافهاً، أستقر سهم (رافائيل) الذي لقمها لقوسها بسرعة في منتصف جمجمتها، وعندما خرج نصل السهم من خلف راسها انفجرت الدماء، وسائلة بقع الدم علي وجهها القبيح لتخفيها للابد، وجاءت ثالث يعرج بقدمها وسقط بسهمنا سريعة أخترق ساقها الأخرى، فصرخ في هول من الألم وهو يخرج السباب من بين شفتيها أسرع من دماء التي تندف من ساقها، ألا أن رجل آخر يحمل قصمات شاحبة كان قد أقترب خلسة من (رافائيل) وقد وجه رمحها الخشبي ذو النصل الحاد المصنوع علي شكل نجمة لصدر هدفها، وقبل أن يبلغ نصل الرمح صدر(رافائيل) سمع الجميع صوت الحداد يصرخ، وهواء الحداد بغتة بفأسها حديدية ضخمة علي راس الرجل صاحب القصمات الشاحبة، ليترك علي راسها فجوا بحجم سلاح الفأس، وانفجرت منها الدماء وقد تناثرت قطع من عظام الجمجمة ولحم المخ و غصلات الشعر علي الأرض، قال وهو يشير بمطرقتها الضخمة نحو الرجال الذي تجمدوا رعبناً من مشهد موت رافقهم.
هرولا الرجال هاربين ليختفوا داخل أشجار الغابة، وتابعهم(رافائيل)حتي تواريه عن ناظريها ، ثم رمق الفتي وقال لها:
وعندما أستدار(رافائيل)، كان سيدها (موسالين)و الحامي العجوز يقتربون منهم، وعندما بلغوا مكانهم، قال السيد(موسالين):
[1] الجرجوس: هي أورا
1ق مستديرة الشكل قادرة علي تغير لونها عكس مصدر الضوء.
[2] (طيور الويراس الملونة): هي طيور صغيرة الحجم تشبه العصافير, الا أنها ملونة بمزيج مختلف من الوان الطيف السبعة ومن بعيد تظهر كأن بيضاء اللون وتصدر أصوات متتالية كالموسيقي وتستخدم في المسارح المتجولة .
[3] الظاروق: هو مرض معدي كالطعون, ويعد من أخطر الأمراض في الدولة, فيدخل المصاب بها في غيبوبة وتتوقف مؤشرات علامات الحياة عنها, فقط الدوقات الخبراء يعلمون هذا المرض عن طريق اختبار الدم, وقد دفن الكثير من الأحياء في السابق بعدما ظل الناس أنهم أموت.(المؤالف).
سنساعدك في تحويل أفكارك إلى كتب ملهمة، حيث تنبض الحروف بالحياة وتصبح رحلتك مع الكلمات تجربة فريدة.
نضع بين يديك مجموعة من الأدوات التي تساعدك في رسم حكاياتك وأفكارك لتجعل من طموحاتك قصصًا تُروى وأخبارا لا تنسى.