متفردًا بصمتي لم تكن المرة الأولى التي ألحظ فيها صمت طفلي الذي تجاوز عمره العامان وهو يلهو بلعبته المفضلة وسيارته الصغيرة الحمراء ويقوم بغسلها كونها أهم ممتلكاته ولعبته الأثيرة وسلواه الوحيدة في عزلته شبه الدائمة. بينما نستعد للذهاب إلى الملاهي، طلبت من صغيري التوجه إلى باب المنزل لنبدأ رحلتنا إلى عالم الألعاب السحري ذو الألوان البراقة والتجارب المشوقة فإذا به ينظر إلي وينطلق نحو الباب حيث أنه مدرك تمامًا لما أعنيه وما ينتظره من سعادة وانطلاق في عالم يتسع له ولكل الأطفال. في هذا المكان، لا أحد يلحظ إذا كان طفلي صامتًا لبعض الوقت أم هو دائم الصمت، هل ينتبه لم نقوله ونعنيه ويعيه جيدًا أم لا، لا أحد يدري هل طفلي يريد فقط الاستمتاع بالألعاب أم تسعده مشاركة الأطفال الآخرين في اللعب. وبالفعل وصلنا ووجدنا كل ما هو مسلي وممتع لطفل يعشق الألوان والحركة. اقترب طفلًا أخر يريد اللعب بالأرجوحة التي يجلس عليها صغيري، ينتظر دوره ولكن طفلي لم يسأل عن سبب وقوفه وانتظاره، لم يبدأ حديثًا من الأساس. لم يتفاعل معه سوى بالنظرات وضحكة فرحته بالأرجوحة ثم طلبت منه الاكتفاء بهذا القدر من هذه اللعبة والذهاب للاستمتاع بغيرها. انتقلنا من لعبة لأخرى وأنا أتتبع نظراته وانتبه لرغبته في تجربة لعبة بعينها ونذهب معًا للاستمتاع بها، فلا قدرة لي على تركه يلعب وحيدًا فهو طفل كما يطلقون عليه “متوحد”، لا يتواصل بنظرات كافية ولا يتحدث ولا يتفاعل على نحو كاف للتعامل في غيابي. فقط نفهمه كأفراد أسرته بتكرار فعله ورد فعله إزاء الكثير من الأمور. سارت الأمور كالمعتاد حتى قررنا الخروج من منطقة الألعاب والتوجه إلى المنزل، فلجأ طفلي إلى الصراخ وإلقاء جسده على الأرض في محاولة منه للبقاء لأطول فترة ممكنة بمدينة الألعاب وعالم المرح وفي ظل عناده ومقاومته العنيفة، توجه أحد العاملين نحونا وتطوع ليقوم بحمل طفلي محاولًا تهدئته وتخفيف حدة طاقة العند الموجهة نحوي وهنا أدركت أنه رغم نظرات المجتمع القاسية التي ترى في طفل تجاوز العامان ولا يتحدث خطأ كبير وتقصير لا يغتفر من أسرة لا تعبأ بطفلها ولا تمنحه الرعاية اللازمة، فثمة من تسللت الرحمة إلى قلبه ليتفهم ويحتوي ويعاون. فقط البسطاء هم من يشعرون بأن بعض الأمور قد لا تسير على ما يرام حتى وإن لم يعوا ما هو “طيف التوحد” وكيف تكابد الأسرة مشقة كسر حواجز الوحدة والميل إلى العزلة لدى طفلها لتمنحه فرصة الحياة وسط مجتمع لا يقيم وزنًا لطفل لا يبدي ذكاء خارقًا وتفاعلًا جذابًا. استجاب طفلي وسار معي وأنا أحادثه عن اللعبة التي سنحضرها ونلهو بها مع إخوته ليستمتع ويقضي وقتًا مسليًا وقد غمرني الأمل في حياة أفضل حين يندمج هذا الصغير ويتحدث بلغتنا ويفهم نظراتنا ويتجاوب معها ليعيش مثل من هم في عمره. كان الموقف كفيلًا بإضفاء اللطف على تعاملات المجتمع مع طفل بحاجة إلى رعاية خاصة ومنحه الثقة والطمأنينة للتعامل دون خوف أو ترقب لرد فعل غير رحيم. عدنا إلى منزلنا نحمل نظرة تفاؤل ووهج لتغيير نمط الصمت الدائم والذي تعودنا عليه منذ ولادة طفلي غلى تفاعل مثير وحوار قصير مثمر حتى تحين لحظة الحوار التفاعلي مع صغيري المتفرد بصمته والمتفاعل بضحكته الرنانة ونظراته الهادئة.
سنساعدك في تحويل أفكارك إلى كتب ملهمة، حيث تنبض الحروف بالحياة وتصبح رحلتك مع الكلمات تجربة فريدة.
نضع بين يديك مجموعة من الأدوات التي تساعدك في رسم حكاياتك وأفكارك لتجعل من طموحاتك قصصًا تُروى وأخبارا لا تنسى.