يقضي طارق خمس سنوات في الزنزانه رقم 75 بعد ان قتل اباه وتسعى حبيبتة جمان لتحريرة بعد تخرجها من الحقوق لتصبح محامية ولكنها تكتشف اسرار تسقط قلبها عندما تتعمق في اعماق القضية بمساعدة صاحبة السجان ماجد
إنها ليلتي الألف وثمانمائة داخل هذه الزنزانة القذرة. المصباح يتمرجح فوق رأسي، ولا يسترني سوى ذلك السروال الداخلي. ضممت قدميَّ حول يديَّ لألصقهما على صدري. الوقت لا يمر، والأيام لا تتغير، ولكنني لست نادمًا على ذلك. والله لو عاد بي الزمن لأذقته أمرَّ قتلة.
قبل خمس سنوات، وتحديدًا أمام شارع منزلنا، كنت أراها وهي تتمرجح على تلك الأرجوحة المعلقة على غصن شجرة ظللت بحجمها العملاق، أرجاء حديقة منزلهم المتواضع… جدران متشققة ومنزل أكل الدهر منه ما أكل حتى اهترأ، ولكنه رغم ذلك امتلأ بضجيج الحب بين أسواره…
أبي صاحب أكبر شركات العقارات في مدينتنا، ويعتبر من أكبر المستثمرين بين شركائه. منزلنا يقع على رأس الحي، وخلفه مساحة خضراء تكاد تلامس الأفق. تلك المساحة الشاسعة هي فقط حديقة فنائنا الخلفي… حسنًا، لست أستعرض ثراءنا الفاحش، ولكنني أردت فقط إخباركم أنني أغبط الفتاة التي أمام شارع منزلنا. رغم اهتراء منزلها، إلا أنه مرمم بالحب والدفء، ورغم أن منزلنا ممتلئ بالخدم والرفاهية، إلا أنه كئيب المسكن.
أمي كانت لا تهتم سوى بسفراتها المستمرة، لذا لن أحكي عنها شيئًا لأنني لا أعرف عنها شيئًا.
اسمي طارق، أبلغ من العمر ثلاثة وعشرين عامًا، وأدرس الهندسة المعمارية لرغبة والدي بذلك (وأظنكم أدركتم السبب). كما أنه منعني من العمل في أي مكان آخر أو أن أكون صداقات خارجية، لأنه يظن أنها مضيعة للوقت. وسأكتفي بهذا القدر من التعريف لأن قصتي ستخبركم كل شيء.
فتاة الأرجوحة:
فتاة يافعة لا تزال طالبة في المرحلة الثانوية، مفعمة بالحب والحياة. شعرها الطويل المنسدل دائمًا ما كان يطير حولها وهي تتمرجح، وابتسامتها اللؤلؤية وهي تركض لوالدها لتعانقه شوقًا بعد عودته من العمل. لقد كانت تملك عفوية الأطفال، تلك العفوية التي أسرتني، ولست نادمًا أنني أُسرت لأجلك يا جمان.
كنت عائدًا تلك الليلة متأخرًا للمنزل، وأنا أحاول إشعال سيجارتي دون فائدة بقداحتي التي لا تعمل. وفجأة سمعت صرخة بالقرب من منزلهم، فأسرعت الخطى نحو المنزل، ولكن تجمدت قدماي للحظة وأنا أرى ذلك الملاك يخرج راكضًا من هناك. إنها هي.
جمان: يا ناس، أرجوكم ساعدوني! يا ناس النجدة! فليساعدني أحد!
هرع الجيران من بيوتهم نحو جمان وهموا بمساعدتها رغم الوقت المتأخر.
يا إلهي، ما بي؟ قدماي تتجمد حين أراها. إنني أرتعش ودرجة الحرارة 35. إننا في فصل الصيف.
والد جمان طريح الفراش لمرض ألمَّ به.
جمان وأبوها وحيدان ولا أحد ليرعاهما غير الله. أصبح الجيران يرسلون الطعام والصدقات لجمان ووالدها خلال تلك الفترة. ربما هي فرصتي لأقترب. إنها فرصتي لأتحدث معك يا جمان.
أملك فيزا باسم والدي تحتوي على أكثر من 50 ألف دولار، يتزايد المبلغ كل سنة نتيجة الاستثمارات الهائلة التي يملكها أبي، ولكنه رغم ذلك لا يكف عن استجوابي إن قمت بصرف دولار واحد منها. أين ذهب؟ ماذا فعلت به؟ لماذا اشتريت هذا وذاك؟ إنني الفقير ابن صاحب الملايين يا سادة.
ذهبت لمحل الخضروات واشتريت بعض الفاكهة وعلب مياه الشرب والقليل مما قد يأكله الأب ليستعيد قليلًا من عافيته، وأخذت مبلغًا في ظرف صغير لأنني لست ماهرًا في الصيدلة لأقتني له دواء يساعد في شفائه.
وقفت أمام الباب لدقيقة قبل أن أطرق الباب، وأنا أنظر لتلك الأرجوحة التي هُجرت منذ أن مرض العم فارس. لقد اشتقت لضحكاتك التي تجمل مرارة قهوتي التي أحتسيها وأنا أتأملك كل صباح.
(أبي إنه يتصل ثانيةً. إن لم تجب فأنا التي سأجيب)
قطع خيالي صوتها العذب من خلف الباب، لأدرك أنني وقفت طويلًا بانتظارهم قبل أن أطرق الباب حتى.
دق دق دق (صوت طرق الباب)
فتحت جمان الباب بوجه غاضب وحزين.
(سيجيب، سأتحدث معه ليجيب)
نظرت جمان إلي باستغراب ثم قالت: ماذا؟ من؟
طارق: أقصد أباك… كنت تقولين له أن يجيب وإلا فإنك ستجيبي.
انفجرت جمان ضاحكة ثم قالت بصوت متقطع من الضحك: وهل كنت تسترق السمع أيها المتعجرف؟
طارق: نعم… لا… أقصد لم أقصد. يا إلهي، ماذا أقول؟ أقصد أنني سمعتك قبل أن أطرق الباب بقليل. لم أكن أقصد أن أسترق السمع. أنا… أنا… أنا آسف.
صوت من خلف جمان: من الطارق يا ابنتي؟
جمان: من أنت؟
طارق: أنا؟ طارق.
جمان: أعلم أنك الطارق، أقصد ما اسمك؟
ارتبك طارق وتبسمت هي ثم التفتت لوالدها وقالت: الطارق يدعى طارق يا أبي.
العم فارس: ابن من هذا؟
جمان: ابن من أنت؟
طارق: ابن أبي. هههه لمَ هذا التحقيق؟ أنا الابن الوحيد لعائلة فتحي، المنزل الذي يقع أمام شارع منزلكم.
فتحت جمان عينيها بدهشة وقالت وهي متفاجئة: هل أنت ابن السيد فتحي؟
طارق: نعم، أنا ابنه…
لم أكمل كلماتي، لم أستطع. لقد صفعتني… نعم، لقد صفعتني بيدها على وجهي. أعلم أنكم لا تفهمون شيئًا، لقد كنت مثلكم تمامًا.
لقد تلقيت صفعة على وجهي من فتاتي التي أعشق، ثم أغلقت الباب في وجهي. لا أعرف فيما أخطأت وما الشيء الذي فعلته حتى أتلقى صفعة على وجهي.
وضعت الأكياس وأسدلت الظرف من أسفل فتحة الباب ثم عدت أدراجي أجر ذيل الخيبة. تلقيت بعدها استجوابي الآخر من أبي حول أين صرفت تلك الدولارات التي تكاد لا تذكر أمام ملايينه التي يخزنها ويشتري العقارات بها.
إنني يائس… أشعر أنني بلا قيمة.
(السجين رقم خمسة وسبعون لديك مكتوب)
لم أحفظ رقم زنزانتي لأنني لا أهتم، ولم ألتفت حتى لأتأكد إن كنت أنا المقصود أم لا. اكتفيت بإغلاق وجهي حول ذراعي التي ضممت بها قدمي.
(طارق.. إنها رسالة من ابنة السيد فارس)
التفت مسرعًا نحو السجان وأنا أستنشق رائحة الحياة وهي تعود أدراجها إلى قلبي: جمان؟ هل جاءت لأجلي؟
السجان: لم يسمحوا لها بزيارتك، ولكنها تركت مكتوبًا لك.
السجان كان ابن جيراننا وصاحب طفولتي الذي أجبرني والدي على تركه لأنه يعتبر الصداقة مضيعة للوقت. لقد جعلني ماجد أدرك أن أبي كان يحرمني من كنز لا يقدر ثمنه إلا من يفهم معنى الصداقة.
أمسكت الرسالة وأمسكت معها يد ماجد: كيف أرد لك الجميل يا صاح… أخفضت رأسي خجلًا فقد ألجمت قلبي كلمة صاحبي وأنا قد تركته دون أن أبرر أي شيء.
ماجد: أن تعود لي يا طارق، أن نعود أصدقاء يا صاحبي.
طارق: وهل لا تزال تثق بشخص ابتعد عنك وعاد وهو مجرم؟
ماجد: هل تسمي نفسك مجرمًا؟ أنا أراك بطلًا.. بطل استطاع تحرير نفسه وحبيبته من ظلم مستبد.
طارق: لن أقول إنه استحق ذلك، ولكنني لم أتمالك نفسي ف…
ماجد: اشششش… المكان مراقب
هنا.
التفت حولي، فأدركت أن كل المساجين يمعنون النظر إلينا، فقد كانوا متعجبين أن أشهر سجان يبتسم لمسجون. ضرب ماجد (أقصد السجان) بعصاه على قضبان السجن ليصدر صدى تتمزق منه طبلة الأذن، وردد بصوت متعالٍ: (أماكنكم.. لا أريد أن أرى أحد أمامي) عاد الجميع مسرعين نحو أسرتهم، وأغلقوا على وجوههم بأغطية يخفون أنفسهم رعبًا من السجان.
ستتخرج هذا العام (ماجد بصوت خافت نحوي).
التفت مستنكرًا ثم قلت: ماذا؟
ماجد: ستتخرج جمان هذا العام، وقد رتبت لها عملًا في مكتب السيد عمر.. كل شيء يجري كما خططنا له.
طارق: وما الذي خططتم له؟
ابتسم وأشار نحو الظرف الذي على يدي، وأكمل صراخه نحو الزنازين الأخرى.
وضعت الظرف على وجهي، أستنشق رائحتها للمرة الأخيرة قبل أن أفسد الظرف بيدي المتسخة.
[لا أعلم إن كان عليَّ أن أبدأ بالسلام… ولكنني أدرك أنك السلام الذي يسكن بداخلي أيها الطارق..
أنا اليوم هنا أريدك أن تعلم ما في داخلي، ولكنني أتعلثم كلما نويت البوح.
أحبك.. إنني أعشقك طارق، لطالما كنت أحبك، ولكنني جبانة لأبوح بذلك أمامك، لم أستطع ذلك.. جئت اليوم لأقولها لك، لقد أحببتك منذ الليلة التي أمسكت بها يد والدي لتخبره أنني في أمانتك حتى تموت، لقد شعرت أنك الدرع الذي سيمنع عني كل الأذى، ولقد وفيت بوعدك حق الوفاء…
طارق سيكون تخرجي نهاية الأسبوع، وقد وعدني ماجد أنه سيوفر لي عملًا خلال تلك الفترة، أعدك أنني سأحاول زيارتك مهما كلف الأمر.
ثم… أعدك أنني سأكون لك وحدك.
أحيطك بدعواتي أيها الطارق.]
تنهدت وكأني أجلس على عرش الملوك.. بل أكثر، إنني أتنعم بنعيم الجنة. ولكن لحظة.
صرخت بصوت مرتفع رجّ زنازين العنبر: ماااا.. أيها السجاااان.
جاء الحراس مسرعين وغاضبين: ما بك؟ هل جننت؟ ما هذا الإزعاج؟ أريد ماج.. أقصد السجان.
كان ماجد قد قدم أساسًا على صوت صراخي: ماذا هناك؟
الحراس: إنه المجنون صاحب الزنزانة 75.
ماجد: دعوه، سأراه.
أطلق صرخته الأخيرة على السجناء ليعودوا راكضين نحو أسرتهم..
ماجد بغضب مكبوت وصوت خافت: هل جننت؟ هل ستخبر العالم أننا أصدقاء؟ سيتم نقلي إن عرفوا بذلك. أنت…
طارق: أعلم أعلم، لم أتمالك نفسي، أنا آسف.
تنهد ماجد وقال: أسرع قل ما لديك، لقد بدأ الشك ينتابهم.
طارق: لقد قالت إنها تحبني..
ماجد: هل تريدني أن أصفعك؟ هل صرخت لأجل ذلك؟
طارق: لاااا لااا، لقد لقد قالت إنها تعدني أنها ستكون ملكي.
ماجد: طارق ركز معي قليلًا.. نحن لسنا على سمرة أمام شاطئ، أنت مسجون بتهمة جنائية وأنا سجان، هل تستطيع استيعاب ذلك؟
طارق: ماجد لقد قالت إنها ستكون ملكي، هل يتزوج العشاق في الجحيم؟
ماجد: هل تعلم؟ أنا الذي سأذهب للجحيم بسببك.
غادر ماجد تاركًا كومة من تساؤلات في عقلي. (إنه يوسوس فقط، ظن أنه يحتضر) كان عذر ماجد ليسكت تساؤلات الحراس عن سبب صراخي.
قرأت المكتوب ألف مرة وحللته وحاولت أن أفكك شفرته، ولكنني لم أفهم.
لماذا وعدتني أنها ستكون لي؟ وكيف ستصبح لي؟ ولمَ هي واثقة من ذلك؟
كنت ممسكًا بالرسالة كعادتي، أعيد تدقيق النظر في الكلمات.
ماجد (السجان): احم احم، السجين 75 لديك زيارة.
طارق: لا تعبث معي.
ماجد: وهل تراني صاحبك لألعب معك؟
ابتسمت وأتا انظر لماجد وهو يدعي انه لا يعرفني وخرجت.
ماجد بصوت خافت: جمان.
تجمدتُ مجددًا تلك القشعريرة التي راودتني وأنا أراها تخرج تلك الليلة، إنه الشعور ذاته.
تحرك أيها الغبي (نهرني الحارس بقوة ليعيد لي حسي).
مشيت بخطوات مرتجفة أشعر وكأنني في ثلاجة موتى وأنا أراقب باب غرفة زيارات يقترب مني.. آههه.
“في داخل غرفة الزيارات”
وضعت يدها الناعمة على خدي ومسحت شاربي الذي نبت بداخل الزنزانة. (لا أصدق أن يدي تجرأت يومًا أن تصفع هذا الوجه) قالتها جمان وهي تنظر إليَّ بعينين تملؤها الدموع.
كانت جمان قد كبرت لتصبح شابة لامس قبلها العشرين لينضج ألف عام.. ألف عام كافية ليجعلنا فتاة ترتدي ملابس رسمية تشبه فتيات الأربعين وترفع شعرها بأكمله إلى الوراء. ماذا فعلت بك يا زهرة عمري؟
(اسمع لا وقت لدينا.. ستروي لي القصة من جديد) قالتها جمان وهي تلتفت نحو كومة أوراق تبعثرت على طاولة.
(أنتِ التي تعرفين القصة جمان، لقد كنتِ هناك) قلتها باستغراب وأنا أسحب الكرسي لأجلس بكل هدوء.
أغمضت عينيها وخفضت رأسها قليلًا ثم قالت بصوت تملؤه الحدة: (أنا المحامية جمان فارس، أتيت اليوم لأنه تم تعييني محامية الدفاع لأترافع عنك سيد طارق).
(محامية؟ ألم تكوني تحلمين أن تصبحي….)
(محامية.. وخادمة تحت قدميك لأعيد لك حريتك طارق).
(أنا حر جمان أنا حر.. أي حرية أفضل من أن فتاتي تتخرج وتحقق أحلامها؟ أي حرية أجمل من تلك الرسالة التي..)
قاطعته جمان بنبرة خجلة: (إذن ماذا عن حرية قلبي أنا؟)
تبقى ربع ساعة على نهاية الزيارة صرخ أحد حراس السجن فانتشلنا من رومانسيتنا.
جمان: يا ويلي لا وقت لدينا طارق تكلم.
طارق: سأخبرك فقط أنني لست نادمًا وإن كان إعدام مصيري فليكن، يكفي أنني أحبك.
أمسكت جمان قميصه وسحبته بغضب نحوها: اسمع لست الوحيد الذي يقطع الوعود هنا، لقد أعطيتك وعدًا ولن أسمح لك أن تفسد عليَّ وعدي.
تذكر طارق الوعد وأراد سؤالها. (نعم تذكرت.. لمَ؟)
جمان: لا وقت لدينا، أريد أن أسألك سؤالًا واحدًا فقط (لماذا كنت تحمل المسدس تلك الليلة يا طارق؟ هل كنت تنوي؟…
طارق: لا.. أقسم أنني لم أكن أنوي قتله، لقد حدث كل شيء لحظتها أنا.. أنا فقط غضبت عندما اقترب منك.
جمان: إذن لماذا كنت تملك مسدسًا طارق؟
صمت طارق وقال بصوت مملوء بالحزن: (آسف جمان لن أجرم بحق قلبك).
انتهى وقت الزيارة صرخ الحارس للمرة الثانية وهمَّ الحراس نحو المساجين ليفتشوهم قبل المغادرة.
أمسكت قميصي المتسخ كالطفلة ثم قالت بصوت يحبس الدمع: قل لي أرجوك لماذا؟ أقسم أنني أموت كل يوم وأنت هنا، ألا ترحم فتاتك المتألمة؟
قبل الجريمة بيومان
العم فارس: طارق.. إن تعلم أن أباك..
طارق: لا أب لي غيرك عم فارس، اسمه فتحي.. ناده باسمه.
تنهد العم فارس وقالها وهو ينظر في عيني طارق: يا ليته أخذ القليل من رجولتك.
طارق: أشعر بالخجل أن اسمي التصق بمثل هذا.. عمي لقد حاولت بكل الطرق أخذ من الفيزا كل ما يمكن سحبه وبعت أغراضًا ثمينة في المنزل لادفع لك ثمن المنزل ولكنني أش…
العم فارس: أنا لم أطلبك لأجل المال، بل من أجل شيء آخر.
طارق: تفضل أيها العم، هل هناك نقص في علاجك؟
العم فارس: علاجي هو ابنتي يا طارق.. أعلم أنك تحبها ولا تحتاج الوصاية عليها، دع عنك هرائات كبريائها وتعاملها الخشن معك، إنها تفعل ذلك من وراء قلبها، هي تعلم أنك لست كأبااا.. أقصد كفتحي.
ابتسم طارق وقال: ولهذا أحببتها عمي، إنها الفريدة التي لن تخُضع قلبها لأحد.
أمسك العم فارس بطارق واحتضنه، كانت جمان تراقب ذلك من بعيد، ولكنه كان عناقًا غريبًا نوعًا ما.. عناقًا جعل طارق يجحظ بعينيه.
اليوم بداخل الزنزانة
ماجد: هييييي أيها الغبي.
طارق: هل تكلمني؟
ماجد: لا أكلم نفسي.. وهل هناك غبي غيرك؟
طارق: هه نعم، شخص يكلم نفسه.
ماجد: بل شخص أصبحت حبيبته محامية لأجله ولأجل حريته ولكنه يأبى الكلام.. ما بك أنت هاه؟ هل أنت مريض؟ هل ألفت السجن حتى خشيت أن تفارقه؟
طارق: اسمعني… إن حكموا علي بالإعدام فأريد..
ماجد: يا ويلي لماذا أردتك أن تصبح صاحبي؟ أشعر أنني ابتليت ببلوة.
طارق: ليس أعظم من بلواي صدقني.
ماجد: هل تقصد أنني بلوة؟ هل تريد أن أمنع عن زنزانتك الطعام؟ نسي أنني السجان هنا.
طارق: بل بلوتي أنني لا أستطيع معانقتك الآن ماجد.. لا أستطيع أن أبكي وأصرخ وأخبر أعز أصدقائي بما أشعر، ماجد أنا…
صرخ ماجد على الحراس: جهزوا غرفة العقاب، لدينا سجين اشتاق جلده للضرب.
قام المساجين متهكمين وخائفين يتساءلون من هو منحوس الحظ هذا؟
في غرفة العقاب كان الجلاد ينتظر أن يعاقب المذنب، ولكن دخل السيد ماجد ممانعا: يمكن الذهاب أيها الجلاد وتترك عصاك.
أغلق الباب وفك أسر طارق هناك، واقترب ماجد من صاحبه ثم عانقه بقوة، بالقوة التي كاد طارق أن يسمع بها تهشم قفصه الصدري..
ماجد: أزلنا عنك بلواك يا صاحبي، فهل تزيل بلوانا عنا؟
إنه أباها.. أباها من أراد المسدس تلك الليلة، العم فارس هو من طلب مني الذهاب لإحضاره من ذلك المكان، العم فارس هو من طلب مني إحضار المسدس.
تجمد ماجد للحظة وتذكر اتصال المجهول الذي بلغ قسم الشرطة عن شاب يبتاع مسدسًا بطريقة غير قانونية.
ماجد: أين تركت هاتفك تلك الليلة طارق؟
طارق: لا أذكر، ولكن أعتقد أنه كان في …
ماجد: في منزل جمان؟
طارق: نعم.. لمَ؟
ماجد: ألم تتصل أنت بأبيك ليحضر؟
طارق: هاه؟ لم أفهم من اتصل به؟ لقد جاء ليأخذ المنزل منهم، إن أبي يبحث عن مصالحه، أنا كنت.. تخيل أنه جاء ليأخذ منزلهم دون موافقتهم، كما أنه تجرأ أن يلمس شعرها ويتحرش بها.. لقد قتلته لأنه لمس فتاتي ماجد، لقد لمسها بطريقة بشعة.
كان ماجد يحاول استيعاب ما يحدث أمامه وسط الإدراك المتأخر الذي فهمه الآن.
ماجد: إذن.. إذن العم فارس هو.. هو..
طارق: لا لا لا ماجد، لا عمي أراد المسدس ليخيف أبي، أنا من قتله، لقد قال لي أن لا حول له ولا قوة وأن..
ماجد: اشششش العم فارس هو من أبلغ عنك انك تحمل المسدس طارق،
هو من أرسل الرسائل إلى والدك عبر هاتفك آنذاك، لقد خطط لكل ذلك طارق.
طارق: لاااا عمي لا يفعل ذلك، إنه… هو لم يطلب مني قتله، أنا قتلته عندما لمسها.
ماجد: لقد أرسل لأبيك عبر هاتفك أن يطلب مبلغاً وقدرة ، كان قيمة المنزل وقيمة مهر الفتاة وأنك زوجته الفتاة، لأن سبب رفض العم فارس الوحيد لبيع المنزل هو أنه يخشى أن لا يجد مأوى لابنته، وكان وكأنما وجدت الحل بتزويجها له و…
طارق: اصمت… إياك ماجد إياك.
ماجد: أنا آسف أخي، ولكنها الحقيقة.
طارق: قلت لك اصمت، يستحيل أن يبيع العم فارس درته للكلاب، لقد قال إنها لي.
ماجد: أباك لم يكن كلبًا طارق، لقد عرض على فارس أن يبتاع المنزل بالمبلغ الذي يريد، ولكن العم هو من رفض وشوه سمعته بأنه يريد أن يأخذ البيت بلا مقابل.
طارق: لا دليل عندك.
ماجد: رسالة أباك لك… أقصد لهاتفك… يا إلهي لقد ظلمتُ أباك معك.. ظننت أنك أرسلت هذا لتستدرجه فحسب، ظننت أنك فعلت ذلك لتحمي الفتاة فقط، لأن العم فارس ذكر في استجوابه أن العم فتحي كان يهدده أنه سيأخذ الفتاة منه ويغتصبها، لهذا صد…
طارق: صدقت أنه سعِد بخبر زواجه منها؟ هل يسعد المرء أن يتزوج فتاة كان ينظر لها بازدراء؟ لقد أراد أن يغتصبهااا ماجد.
ماجد: بدأت أشكك في الأمر أكثر فأكثر.. لمَ لم يخطفها لو أراد ذلك؟ لقد كانت تذهب كل يوم للمدرسة سيرًا على الأقدام والمدرسة بعيدة عن الحي، كان يمكنه أن يفعلها منذ البداية.
طارق: ولكنه أتى للمنزل ليفعلها..
ماجد: وهل خاف في الخفاء ليفعلها في حي مملوء بالسكان؟ لا أصدق كم أنك غبي، هل سيمسك الفتاة ليغتصبها أمام منزلها الذي يتوسط حيًا مملوءًا بالسكان؟
خارج السجن وتحديدًا أمام النهر.
جمان: مرحبًا.. آسفة على تأخري، إنه الازدحام كالعادة.. أحضرت لك قهوة ولكنها بردت… آههه نسيت أن..
ماجد: جمان…
رفعت جمان عينها ونظرت لماجد وهو ينظر للسماء حتى يمسك الدمع قبل أن ينهمر من عينيه.
جمان: ماذا؟ (بصوت مفجوع) هل طارق بخير؟
ماجد: لااا أقصد نعم.. لا ليس كما تظنين، الأمر ليس عن طارق، إنه … بل هو عنه، لا أعرف لا…
نظرت جمان لماجد مستنكرة فهي لم تره هكذا من قبل.
أمسكت جمان قميص ماجد وصرخت بنبرة مهددة: تكلم ماجد، إنني أنصحك أن تتكلم، أنت لم تر وجهي الآخر حتى الآن… هل مس طارق سوء؟
كانت نظرة ماجد كفيلة أن تصل لقلب جمان لتخبره أن شيئًا سيئًا عرقل سير الخطة.
جمان: اسمع.. كنت قد عاهدت نفسي أن لا أصفع رجلًا على كرة الأرضية، ولكن إن استمر بكاء الأطفال هذا على عينيك سأنقض عهدي.. كفى لست مستعدة لشيء جديد.
ماجد: هل تحبيه؟
جمان: هل تريد استفزازي؟
ماجد: لأي درجة؟
جمان: للدرجة التي ستجعلني أرمي بك في هذا النهر إن لم تخبرني سبب طلبك لقائي ماجد… وأقسم إن لم يكن الموضوع عن طارق س..
قاطع ماجد جمان: إنه سؤال واحد فقط جمان، سؤال واحد، هل أنتِ مستعدة لأن تضحي بكل شيء لأجل حريته؟
جمان: أقسم لك أنني مستعدة أن أفتديه بروحي إن استطعت.
ماجد: هل تفتديه بأبيك جمان؟
تغير وجه جمان لوهلة ثم تراجعت للوراء خطوة.. أمسك ماجد بجمان وصرخ في وجهها بغضب: إنه أباك جمان… المجرم هو والدك، هو من خطط لكل ذلك.
توقف!!! صرخت جمان وهي تغلق أذنيها بكلتا يديها بقوة، أغمضت عينيها وكأنها تحاول طرد ما سمعته: توقف!!! لااا أنت تكذب، هذا ليس صحيحًا.
ماجد: أين هو الآن جمان، أين أبيك؟
جمان: إن كنت تريد أن تلقي تهمة طارق على أبي فأنت مجنون.. إن كان طارق نفسه اعترف.
ماجد: طارق لم يكن يعلم عن الخطة.
جمان: أي خطة؟
سرد ماجد الخطة لجمان حسب ما فهمها من طارق بداخل غرفة التعذيب.
ماجد: هذا ما توصلت إليه حسب كلام طارق والأدلة التي امتلكناها سابقًا.. كما أن هناك رسائل حُذفت لم تفك بسبب اعتراف طارق بالجريمة، وأنا متأكد لو تم استعادتها ستحل العقدة.
جمان: أبي!!! لماذا؟
ماجد: أعتقد أنه لأجلك، لا أعلم ولكن لا تبرير عندي سوى أنك ترعرعتِ في ذلك الحي وتركك للبيت وذهابك لمكان آخر رغم دخلك المادي سيشعركِ بالوحدة.. إنه مجرد تخمين.
ماجد: اممم نعم، هناك شيء آخر.
جمان: بالله عليك يكفي..
ماجد: لااا إنه فقط طارق.. لا يعلم أنني ألتقي بكِ.. ولا يجب أن يعلم أنني أخبرتك، اجعلي الأمر كما لو أنك اكتشفتِ بنفسك.
جمان: هل أخبرك شيء؟
ماجد: طبعًا.
جمان: لقد أصبحت أحبه أكثر من السابق.
ماجد: هو لم يكن يعلم أن..
جمان: ولكنه كان يعلم أن المسدس من طلب والدي، وأبى أن أعلم حتى لا يخدش كبريائي أمامه فأشعر بالذنب تجاهه.
تنهد ماجد بعمق وابتسم: إنه طارق يا جمان.
جمان: آههه أيها الطارق.
تابعت جمان سير القضية وطلبت من المختصين استرجاع الرسائل المحذوفة، كما بحثت عن كل الأدلة اللازمة لتبرئة طارق.
قبل أسبوع من المحاكمة.
جمان: أريد إذن زيارة لصاحب الزنزانة 75.
السجان: من أنتِ؟
جمان: محاميته، إنه موكلي ولديه محاكمة الأسبوع القادم، أريد أن أراجع معه بعض الأمور.
ذهب السجان لإحضار السجين رقم 75.
هذه المرة الأولى التي أمشي بها نحو باب غرفة الزيارات دون صديقي… أين ماجد؟ لم يمر أمام زنزانتي منذ أكثر من شهر.
دخلت غرفة الزيارات وكانت جمان تنتظرني ولكن هذه المرة مختلفة تمامًا عن المرة الأولى.
ارتدت فستانًا بسيطًا لونه أبيض وأسدلت شعرها طويلًا خلفها تمامًا كما كانت تفعل عندما تتمرجح في حديقة منزلها.
كانت أنظر إليها كما لو أننب أرى ملاكًا قد هبط من السماء.
طارق بمزاح خفيف: هل تفهمون لغتنا؟
جمان باستغراب: ماذا؟
طارق: لم أتحدث مع ملاك من قبل، إنها المرة الأولى سامحيني.
أغلقت جمان فمها وهي تضحك حتى لا تفسد ضوضاء الاكتئاب الذي يعج به المكان، ثم اقتربت من طارق وهمست له… أريدك أن تخرج بسرعة حتى أعانقك.
طارق: ألم تقولي إنك ملكي؟
جمان: بلى، ولكن عليك توقيع أوراق الملكية.
طارق: أوراق؟
جمان: أوراق عقد كتابنا أيها الغبي.
ضحك طارق بصوت مرتفع مما جذب جميع الزوار والسجان نحوه.
اصمت أيها الغبي!!! هل أنت مختل لتضحك هكذا؟ صرخ الحارس عليه بقوة حتى يهدأ ثم قال بتهديد: سألغي زيارتك إن سمعت صوتك مرة أخرى.
طارق: أنا.. أنا آسف.
ثم التفت نحو جمان: هل هناك أخبار عن ماجد؟ لمَ تركني وحيدًا؟
جمان: وهل تسأل عن صاحبك وحبيبتك أمامك؟ ما بالك؟
طارق: يا إلهي إنني قلق عليه.
جمان: حسنًا أكمل قلقك، أنا ذاهبة.
طارق: لااا حسنًا اممم اشتقت إليك.
جمان: همم ليس أكثر من شوقك لصاحبك.. لا وقت لدينا اسمع سأخبرك بشيء قد يصدمك.
طارق: هممم!!
جمان: أنت بريء حسب الأدلة الموجودة و…
طارق: هل تحلمين؟ كيف جعلت القاتل بريء؟
جمان: دفاع عن الشرف كما أنك لم تكن تنوي أن تقتله وحدث الأمر ميلاد اللحظة والمسد…
طارق: هل..؟
جمان: نعم عرفت طارق… إنه أبي.
طارق: جمان هو لم يقص..
جمان: بل كان يقصد طارق لقد أدنته بالأدلة لقد استعدت رسائل هاتفك ورسائل هاتف أباك وهناك اتصال مسجل لوالدي وهو يشتري السلاح ثم اتصال آخر وهو يبلغ عنك.
وضع طارق رأسه على طاولة وكأنه أصبح أثقل من أن يحتمل المزيد.
جمان: طارق أنااا.. أنا لن أستطيع أن أعيد لك ما أخذ من سنوات عمرك ولكنني س…
قاطع طارق جمان: ابحثي عن ماجد.. أرجوك جمان ابحثي عن صاحبي.
جمان: سيكون هنا في ليلة محاكمتك أعدك.
طارق: لااا أريده الآن جمان أحضروا لي أي صاحبي.
أمسكت جمان بيد طارق: أنا هنا الآن س..
صرخ طارق في وجه جمان بنبرة باكية: أريد صاحبي جمان أريد ماجد أريده هوو.
ظل طارق يصرخ طالبًا ماجد وقام بغضب.. أصبح يكسر كل ما يراه أمامه من طاولات وكراسي وهو يصرخ بصوت مخنوق أريد صاحبي أريد ماجد.
إنها المرة الأولى التي تشعر بها جمان أن طارق يريد شيئًا آخر في العالم غيرها أو لنقل إنها المرة الأولى التي شعرت بها جمان بالغيرة.
جمان: سيدي القاضي السادة المستشارين أقف اليوم أمامكم ليس فقط لتبرئة موكلي وإنما لأظهر مج…
أغمضت جمان عينها محاولة بلع ما تبقى في نفسها من قوة.
القاضي: آنسة جمان هل أنتِ بخير؟
رفع طارق يده مستأذنًا القاضي أن يتكلم: سيدي القاضي!!
أشار القاضي لطارق سامحًا له أن يتكلم.
طارق: أعتذر نيابةً عن محامي الدفاع يبدو أن …..
جمان: أنا بخير سيدي.. هل تسمح لي؟
طارق: جمان لا أنتِ لست…
جمان: دعني طارق.. دعني.
ضرب القاضي بمطرقته طالبًا تهدئة الوضع: آنسة جمان… هل حقًا تستطيعين إكمال ما تريدين أن تقولينه؟
جمان: نعم ولكنني أستسمح حضرتكم أن تعذروني لو تسللت بعض الدموع إلى عيني.
ابتسم القاضي وقالها لها: لكِ ما تشائين يا ابنتي.
ابنتي!!!.. ماذا فعلت بي يا أبي؟ أنا هنا لأدينك يا ليتك هنا لأسألك سؤالًا واحدًا فقط (لماذا؟)
لم يشح طارق عينه عن جمان طيلة الجلسة القضائية كانت تتكلم وتلقي التهم على أبيها وهي تتقطع كانت تتكلم بصوت مغصوص كما لو أن يدًا تخنق عنقها.
جمان: إذن سيدي القاضي نجد أن المتهم الماثل أمامك لم يقدم على القتل العمد ولم يخطط لقتل والده بس أن الأمر حدث كما لو أنه دفاع شرعي عندما شعر أن عرضه قد انتهك.
أما بخصوص المسدس الذي كان يحمله فما هو إلا مكيدة كادها السيد فارس الصادق له.
لذلك حسب المادة القانونية فإن القتل إن كان دفاع شرعي فهو جائز لو وضعنا المقاييس التالية..
القاضي: آنسة جمان … ما اسمك؟ أقصد هلّا تعيدين عليَّ اسمك كاملًا؟
تنهدت جمان وأخفضت رأسها قبل أن تقول: جمان فارس… اسمي جمان فارس الصادق.
رفعت عينها الممتلئة بالدموع ونظرت للقاضي كما لو أنها تبحث في وجهه عن حنان كلمة ابنتي التي قالها سابقًا: إنه أبي حضرة القاضي.. أبي، المجرم هو أبي.. أبي.
ظلت تكرر تلك الكلمة وهي تضرب على طاولة المرافعة وكأنها تندب الزمن.
جمان: إنها خمس سنوات خمس سيدي القاضي وأنا أبحث عن براءة طارق.. لم أكن أعلم أن الثمن هو أبي لم أكن أعلم أن الثمن باهظ إلى ذلك الحد.
كان طارق لا يزال مكبلًا خلف القضبان داخل المحكمة كان ساقطًا على الأرض.
القاضي: أين أباك جمان؟
جمان: إنه خارج الدولة للعلاج.. انقطعت أخباره عني منذ أكثر من 7 أشهر أبلغت الجهات المعنية وهم لا يزالون يبحثون عنه… تفضل سيدي القاضي هذه الأوراق التي تثبت طلب البحث عنه.
(سيدي!! ) رفعت يد من بين الحضور تطلب الإذن في الكلام.
القاضي: من أنت؟
(ماجد ابن سليمان أكون ابن جيران المتهم وصاحبه).
ماجد أين كنت؟ أين أنت يا صاحبي؟ تنهد طارق وهو يملأ عينيه من صاحبه الذي لم يلتفت نحوه حتى…
(سيدي القاضي.. هناك مصادر تقول إن السيد فارس لم يكن مسافرًا أو… لقد عاد من السفر دون أن يعلم أهله عن الأمر).
اعتدل القاضي في جلسته ثم أشار لماجد يتقدم.
(هل تقسم أن تقول الحق ولا شيء غير الحق؟)
نظر ماجد لجمان التي كانت يداها ترتجف ألمًا ثم قال: هل تسمح لي قبل أن أقسم أن أطلب من الآنسة جمان مغادرة القاعة؟ ربما أؤذيها بالكلام عن أبيها.
القاضي: أرجو من الآنسة جمان أخذ استراحة.
تنهدت جمان ثم حملت ما تبقى منها واتجهت لناحية الباب ولكنها توقفت للحظة: سيدي القاضي.. كنت قد أقسمت قبل السيد ماجد أنني سأظهر الحق مهما كان و لن أسمح لمشاعري أن تجرني نحو ما قد يكون عكس ذلك… إنني هنا اليوم لأبريء رجلًا عاهد الله لأجلي لذلك اسمح لي أن أكمل المرافعة فكلام السيد ماجد يس…
ماجد: سيقتلك… سيقتلك جمان ارحلي فحسب.. لم يصبر صديقي لخمس أعوام ليتزوج فتاة ميتة.. ارحلي.
استسلمت جمان للأمر وجرت قدماها نحو الباب ليغلقه خلفها حرس القاعة وكان المحامي عمر هو البديل المتوفر مكان جمان(صاحب المكتب التي تعمل فيه)
ماجد: شكرًا سيدي القاضي.. أقسم أن أقول الحق ولا شيء غير الحق.
القاضي: تكلم.
في حقيقة الأمر كنت قد تابعت سير علاج والد جمان بأمر منه بعد أن علم أنني أساعد جمان في دراستها وما إلى ذلك.
القاضي: ألست السجان في…
ماجد: نعم.
القاضي: إذن السجان والمسجون أصدقاء.
طارق من خلف الزنزانة: ولكنه لم يخالف أي شيء سيدي هو لم يتهاون معي….
ضرب القاضي بمطرقته ملجمًا بذلك فم طارق: لم يؤذن لك أن تتكلم أيها المتهم.
نظر ماجد لطارق مشيرًا له أن يهدأ وأن كل شيء على ما يرام.
القاضي: واصل حديثك.
ماجد: في الواقع لقد كنت أتابع سير العلاج الذي يتلقاه السيد فارس ولكنني لاحظت شيء ما.. مرضه ليس بالشيء المخيف أو الأمر القاتل الذي يتوجب من خلاله السفر للعلاج إنها مجرد نوبات ربو متفاوتة الحدة كان يأخذ على أثرها بخارًا وإبرًا تساعد على توسعة الشعب الهوائية وكنت أظن أنه يرسل هذه التقارير حتى لا تكشف ابنته حقيقة مرضه المخفي لذلك سافرت لتأكد أن كان مرضه هذا خطير ولكنني اكتشفت شيء آخر.. شيء لم يكن بالحسبان.
السيد فارس كان يزور تقارير لابنته، إنه في الواقع.. تاجر ممنوعات ولدي من شاهد على هذا كما أنه تم القبض مؤخرًا على العم فارس في مدينة كولومبيا وهو يسرق أحد مزارع المارجوانا هناك وقت قمت بزيارته لأسأله بعض الأسئلة ولدي تسجيل صوتي يحمل حوارنا.
اقترب ماجد من القاضي وسلمه الشريط.
التسجيل الصوتي.
العم فارس: ماذا تفعل هنا؟ من أخبرك عن مكاني؟
ماجد: أنا هنا لأنك أدخلت صاحبي السجن لم أتوقع أن الدنيا أقصر من ذلك فها أنت اليوم هنا.
العم فارس: كيف حال ابنتي؟
ماجد: عرفت حقيقتك.
فارس: هل عرفت أنني..
ماجد: كل شيء سيد فارس، كل شيء.
(…..صمت…….)
ماجد: يمكنك إصلاح الأمر.. عد للبلدة وقف أمام القاضي، قف أمام ابنتك، لقد أصبحت المحامية.
فارس: لتترافع ضد أباها..
ماجد: لماذا؟ ما ذنب طارق والسيد فتحي؟
فارس: فتحي.. فتحي هو السبب. اكتشف أمر تجارتي للممنوعات وقام بتهديدي، إما أن أتوقف أو أن يخبر ابنتي… كنت أخشى أن تعلم فدبرت ذلك، كان يكثر الاتصال بي ولم أكن أملك طريقة لإيقافه.
ماجد: حتى طرق طارق الباب.
فارس: نعم.
أغلق القاضي شريط التسجيل ثم توقف ليفكر لوهلة ثم قال: سأبلغ السفارة أن تسمح لنا أن نتواصل مع المركز الذي حُبس فيه المتهم وسأرى ماذا سنفعل في الجلسة القادمة.
ماجد: ولكن سيدي… السيد فارس انتحر….
بعد سنة
جمان تضع الورود أمام قبرين وهي جالسة كالأميرات.
(انتبهي حتى لا تتأذى فتاتي) صوت آتٍ من خلفها.
جمان: ألست أنا فتاتك؟
تبسم طارق وهو يقترب منها ثم عانقها من الخلف ماسحًا على بطنها: لا.. أنتِ أميرتي.
جمان: أعلم… هل تتخيل أن أبي وأباك اليوم على قبرين متجاورين المقتول وال..
قاطع طارق جمان: الأب والحمى الأب والحمى جمان فلننسى ما حدث.
استدارت جمان ثم نظرت في عيني طارق وابتسمت: هل تظن أنني أتذكر لأتألم؟ أنا أتذكر السبب الذي جعلني أعلم أن خلفي رجلًا من حديد.
طارق: آههه كيف نسيت ذلك..
جمان: ماذا؟
طارق: ماجد.. هل اتصلت بأهل الفتاة؟
جمان: أوووه طارق كفى أشعر أن ماجد يشاركني كل شيء بك أننا نتحدث عنا وأنت..
طارق: ماذا جمان ماذا؟ إنه مجرد سؤال هل اتصلت بأهل الفتاة؟
جمان: أقسم أنني أتمنى أن يتزوج أكثر منه نفسه نعم فعلت ولكنهم يرفضون شروط صاحبك الغبية.
طارق: وهل تظنين أن هناك عاقلة بمواصفات طبيعية قد تقبل به؟
ضحك الاثنان وهما يسيران خارج المقبرة…
في المستشفى.
ماجد: أوه بابا جديد يكتسح الساحة.
جمان: يليق به أن يصبح أبًا.
ابتسم طارق بخجل وهو ينظر لابنته: سميتها ملك.
ضحك ماجد ثم قال والولد ستسمونه مالك؟
طارق: بل ماجد.. سأسميه ماجد.
جمان: هاااه؟ هييي لااا لا أريد أن يصبح ابني سجانًا معقدًا كالغبي الذي أمامي.
طارق: إذن قاتل مثل أبيه؟
جمان: ألم تقل لي أن ننسى؟
تزوج ماجد بعدها بفتاة ريفية بسيطة جميلة تدعى ياقوت وكانت الوحيدة التي وافقت على شرط ماجد (أنني أخشى أن أصبح أبًا).
كان شرط ماجد هو عدم إنجاب أي طفل للدنيا.
ربما لا تظهر الصدمات النفسية علينا على هيئة جنون ولكنها تنبت بنا دون أن نشعر.. تمامًا كما حدث لماجد فهو يخشى أن يصبح أبًا حتى لا يُطعن بفلذة كبده كما فعل طارق بأبيه أو أن يستغل أطفاله لتلبية مصالحه كما فعل والد جمان.
ربما يغير رأيه لاحقًا ولكن لدي سؤال صغير هل سنرى عقدة جديدة لملك التي جاءت من رحم أم خُذلت من أباها وابن قتل أباه؟
وهل يسطيع طارق الآن بعد اثبات برائته ان يرث مال ابيه؟
ومن هي ياقوت ولماذا رضيت بشرط ماجد
سنساعدك في تحويل أفكارك إلى كتب ملهمة، حيث تنبض الحروف بالحياة وتصبح رحلتك مع الكلمات تجربة فريدة.
نضع بين يديك مجموعة من الأدوات التي تساعدك في رسم حكاياتك وأفكارك لتجعل من طموحاتك قصصًا تُروى وأخبارا لا تنسى.
One Response
جميلة