كاتب
الفهرس
القاهرة مدينة الظل
النوع :
المجال :

كتابٌ يغوص في جدل الموت والخلود، بحثًا عن المعنى. يستنطق الألم الفلسطيني، ويجعل من غزة مرآة الوجدان. ينسج الأمل خيطًا شفيفًا بين الركام وصوت الحياة. يستعرض خيبات وطنٍ عربيٍّ تائهٍ بين الماضي والسراب. ومصرُ فيه قلبٌ نابض، يحلم رغم القيود والخذلان.

القاهرة مدينة الظل

كان يشعر بأن العالم يضيق.

لا، ليس العالم. الخيمة.

والخيمة ليست ضيقة.

هي فقط، لا تتسع للألم.

 

الهواء ثقيل.

يُشبه الغبار المبلول. لا يدخل رئتيه، بل يتمدد فيهما كالعفن.

الجوع ينهش أطرافه.

ثم يعود ليعض القلب.

 

“ما الجوع؟”

“ثقب في البطن؟ أم في الكرامة؟”

 

همس لنفسه، والصمت يرد عليه.

كان لا يحب الصمت.

لكنه اعتاده.

 

من فتحة في الخيمة، يرى ضوءًا باهتًا.

النهار هنا ليس نهارًا.

هو زمن رمادي، كأن الشمس هي الأخرى صارت متلونة.

 

في الخارج، صراخ بعيد.

صوت امرأة، ثم طلق ناري، ثم صمت آخر.

 

الشمعة التي بجواره تئن.

كأنها لا تحب أن تراه هكذا.

 

“حتى الشموع تشفق؟”

 

رفع رأسه بصعوبة.

أمسك كوبًا بلا ماء.

شرب الوهم.

 

الكرسي يصدر صوتًا خافتًا كلما تحرك.

خشب قديم، مثل قلبه.

 

فكر:

لماذا لا يأخذوننا دفعةً واحدة؟

لماذا القتل بالقطّارة؟

هل يستمتعون برؤية النهاية تتكرر؟

 

رائحة البارود دخلت.

لم يفتح عينيه.

سأل نفسه:

كم مرة دخل الموت ولم أمت؟

وكم مرة متّ دون أن يدخل؟

 

صوت.

شيء ميكانيكي.

لا تنفس. لا قدم. لا نية. فقط قرار.

 

فتح عينيه، ورآها.

 

المسـ ـيرة.

 

توقفت عند باب الخيمة.

لم تسأل.

لم تتردد.

أطلقت الرصاص.

 

مرة.

اثنتين.

ثلاث.

 

ثم مضت.

 

لم يسقط.

جسده بقي على الكرسي.

لكن روحه؟

حلّقت.

كأنها كانت تنتظر هذه اللحظة.

 

“هكذا؟!”

سأل، دون فم.

 

“هكذا يُقتل الناس في غـ ـرْة؟!”

“نعم.”

“لماذا؟”

“لأنهم وُلدوا هنا.”

 

في السماء، لم يكن هناك ملائكة.

لكن كانت هناك أرواح، كثيرة، تسبح بلا وزن.

 

كل روح تحمل وجهًا يشبهه.

طفل، شيخ، أم، معلم، صياد.

 

قال أحدهم:

لسنا شهداء فقط، نحن مرآة هذا العالم.

نُريهم ما لا يريدون أن يروه.

 

قال آخر:

الدم هنا ليس صرخة، بل سؤال.

أيّ عالم هذا الذي يخاف من طفل؟

أيّ بشر هؤلاء الذين يضعون قنبلة في قلب رضيع؟

 

في المخيم، نساء يفتشن بين الركام.

أطفال يبحثون عن دمية من لحم ودم، عن قطعة خبز، عن ظلّ أب.

 

الناس لا تبكي.

تعبت من الدموع.

صار البكاء ترفًا لا يملكونه.

 

جلست فتاة صغيرة بجوار الكرسي.

 

سألها أحد الرجال:

أتعرفينه؟

 

قالت:

كان يبتسم لي كل صباح.

لم يكن يقول الكثير.

لكنه كان حيًّا.

 

ثم نظرت إلى الكرسي:

لماذا لم يسقط؟

 

أجاب الرجل، كأن الجواب كان ينتظره:

لأن الكرسي لا يحمل جسدًا، بل لحظة متجمّدة، انتظر فيها العالم أن يعتذر.

 

وفي الليل، كتب أحدهم على جدار الخيمة:

هنا جلس رجلٌ فقير، لا يملك شيئًا،

قتلوه،

لكنهم لم يهزموا ظلّه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

متابعة أهداف الكتابة
اكتمال الفصول
0%
1 5
الكلمات المكتوبة
0%
389 5000

الوقت المتبقي للانتهاء

Days
Hr
Min
Sec
لقد انتهى الوقت المخصص لإكمال الكتاب

منصة الكتابة

سنساعدك في تحويل أفكارك إلى كتب ملهمة، حيث تنبض الحروف بالحياة وتصبح رحلتك مع الكلمات تجربة فريدة.

نضع بين يديك مجموعة من الأدوات التي تساعدك في رسم حكاياتك وأفكارك لتجعل من طموحاتك قصصًا تُروى وأخبارا لا تنسى.